على الاحياء في الدنيا والحشر فقد رد بأن الإماتة إنما تكون بعد سابقة الحياة، ولا حياة في أطوار النطفة، وبأنه قول شذاذ من المفسرين، والمعتمد هو قول الأكثرين.
انتهى كلامه.
فقد جعل التفسير بالوجه الأول مستفيضا، وبالوجه الثاني شاذا، ويخطر بالبال أن الامر بالعكس فإن الشائع المستفيض بين المفسرين هو ما جعله شاذا، و الشاذ النادر هو ما جعله مستفيضا، ولعل هذا من سهو قلمه، فإن التفاسير المشهورة التي عليها المدار في هذه الاعصار هي الكشاف، ومفاتح الغيب، ومعالم التنزيل، ومجمع البيان، وجوامع الجامع، وتفسير النيشابوري، وتفسير البيضاوي، ولم يختر أحد من هؤلاء تفسير الآية بالوجه الأول، بل أكثرهم إنما اختاروا التفسير الثاني.
وأما التفسير الأول فبعضهم نقله ثم زيفه وبعضهم اقتصر على مجرد نقله من غير ترجيح، فلو كان هو الشائع المستفيض كما زعمه السيد المحقق لما كان الحال على هذا المنوال، قال في الكشاف: أراد بالإماتتين خلقهم أمواتا أولا، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وبالإحيائين الاحياء الأولى، وإحياء البعث.
ثم قال بعد ذلك: فإن قلت: كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة؟ قلت: كما صح أن تقول: سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وقولك للحفار:
ضيق فم الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر، ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الانشاء على تلك الصفات، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه، ومن جعل الإماتتين التي بعد حياة الدنيا، والتي بعد حياة القبر لزمه إثبات ثلاث إحياءات وهو خلاف ما في القرآن، إلا أن يتمحل فيجعل إحداها غير معتد بها، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور وتستمر بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها و