وقد شنع عليهم بذلك كثير من المخالفين، والاخبار في ثبوتها كثيرة مستفيضة من الجانبين كما عرفت، ولنشر إلى بعض ما قيل في تحقيق ذلك، ثم إلى ما ظهر لي من الاخبار مما هو الحق في المقام.
اعلم أنه لما كان البداء - ممدودا - في اللغة بمعنى ظهور رأي لم يكن - يقال: بدا الامر بدوا: ظهر، وبدا له في هذا الامر بداءا أي نشأ له فيه رأي، كما ذكره الجوهري وغيره - فلذلك يشكل القول بذلك في جناب الحق تعالى، لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشئ بعد جهله وهذا محال، ولهذا شنع كثير من المخالفين على الامامية في ذلك نظرا إلى ظاهر اللفظ من غير تحقيق لمرامهم حتى أن الناصبي المتعصب " الفخر الرازي " ذكر في خاتمة كتاب المحصل حاكيا عن سليمان بن جرير أن الأئمة الرافضة وضعوا القول بالبداء لشيعتهم فإذا قالوا: إنه سيكون لهم أمر وشوكة ثم لا يكون الامر على ما أخبروه قالوا: بد الله تعالى فيه، وأعجب منه أنه أجاب المحقق الطوسي رحمه الله في نقد المحصل عن ذلك - لعدم إحاطته كثيرا بالاخبار -: بأنهم لا يقولون بالبداء، وإنما القول به ما كان إلا في رواية رووها عن جعفر الصادق عليه السلام أنه جعل إسماعيل القائم مقامه بعده فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه فجعل القائم مقامه موسى عليه السلام، فسئل عن ذلك فقال: بدا لله في إسماعيل، وهذه رواية وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا انتهى.
فانظر إلى هذا المعاند كيف أعمت العصبية عينه حيث نسب إلى أئمة الدين الذين لم يختلف مخالف ولا مؤالف في فضلهم وعلمهم وورعهم وكونهم أتقى الناس وأعلاهم شأنا ورفعة الكذب والحيلة والخديعة، ولم يعلم أن مثل هذه الألفاظ المجازية الموهمة لبعض المعاني الباطلة قد وردت في القرآن الكريم وأخبار الطرفين كقوله تعالى: " الله يستهزئ بهم " ومكر الله، وليبلوكم، ولنعلم، ويد الله، ووجه الله، وجنب الله إلى غير ذلك مما لا يحصى، وقد ورد في أخبارهم ما يدل على البداء بالمعني الذي قالت به الشيعة أكثر مما ورد في أخبارنا، كخبر دعاء النبي صلى الله عليه وآله على اليهودي، وإخبار عيسى على نبينا وآله وعليه السلام، وأن الصدقة والدعاء يغير ان القضاء وغير ذلك. وقال ابن الأثير في النهاية: