فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى (1) وأسمائه الحسنى، و لذلك كان إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه عز وجل من أوصافه العلى وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان وإخلاص، و إذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عز وجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى فهو غير موحد، وربما قال جاهل من الناس: إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها، لان من وحد الشئ فهو موحد في أصل اللغة فيقال له: أنكرنا ذلك لان من زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها فهو عند جميع الأمة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد، ومشرك مشبه غير مسلم، وإن زعم أن ربه إله واحد، وشئ واحد، وموجود واحد، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك و تعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالإلهية من أجلها، وتوحد بالوحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر، ويكون الله واحدا والإله واحدا لا شريك له ولا شبيه لأنه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها كان عبدا كان له شبيه، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته، وأقر بما عرفه، واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا، والأوصاف التي توحد الله تعالى بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها في الأوصاف التي يقتضي كل واحد منها أن لا يكون الموصوف بها إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف به إلا هو، وتلك الأوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن يكون حالا في شئ، ولا يجوز أن يحله شئ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال، مستحق للوصف بذلك بأنه أول الأولين، وآخر الآخرين، قادر يفعل ما يشاء، لا يجوز عليه ضعف ولا عجز، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين، وأقهر القاهرين، عالم لا يخفى عليه شئ، ولا يغرب عنه شئ، لا يجوز عليه جهل ولا سهو، ولا شك ولا نسيان، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين، حي لا يجوز عليه موت ولا نوم،
(٢٤٣)