وكيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد من الصحابة عدل، ومن جملة الصحابة الحكم بن أبي العاص، وكفاك به عدوا ومبغضا لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومن الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب، ومنهم حبيب بن مسلمة الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية، وبسر بن أبي أرطاة عدو الله وعدو رسوله.
وفي الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس، وقال كثير من المسلمين: مات رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يعرفه الله سبحانه كل المنافقين بأعيانهم، وإنما كان يعرف قوما منهم، ولم يعلم بهم أحدا الا حذيفة فيما زعموا، فكيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وآله أو رآه أو عاصره عدل مأمون لا يقع منه خطأ ولا معصية؟ ومن الذي يمكنه أن يتحجر واسعا كهذا التحجر، أو يحكم هذا الحكم؟
قال: والعجب من الحشوية وأصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء، ويثبتون أنهم عصوا الله تعالى، وينكرون على من ينكر ذلك، ويطعنون فيه، ويقولون: قدري معتزلي، وربما قالوا: ملحد مخالف لنص الكتاب، وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادلون في هذا الباب، فتارة يقولون: ان يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة، وتارة يقولون: ان داود قتل أوريا لينكح امرأته، وتارة يقولون: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان كافرا ضالا قبل النبوة، وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الفداء يوم بدر.
فأما قدحهم في آدم عليه السلام، واثباتهم معصيته، ومناظرتهم من ينكر (1) ذلك، فهو دأبهم وديدنهم، فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص، أو في معاوية وأمثالهما، ونسبهم إلى المعصية وفعل القبيح، احمرت وجوههم، وطالت أعناقهم، وتخازرت أعينهم، وقالوا: مبتدع رافضي، يسب الصحابة ويشتم السلف.