قال: ثم قالوا: ألا ان في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه، قال: لم يقتصروا على أخذ حقي ساكتين عن الدعوى، ولكنهم أخذوه وادعوا أن الحق لهم، وأنه يجب علي أن أترك المنازعة فيه، فليتهم أخذوه معترفين بأنه حقي، فكانت المصيبة به أخف وأهون.
واعلم أنه قد تواتر الأخبار عنه عليه السلام بنحو من هذا القول، نحو قوله (ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا) وقوله (اللهم اخز قريشا فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري) وقوله (وجزى قريشا عني الجوازي، فإنهم ظلموني حقي واغتصبوا سلطان ابن أمي) وقوله وقد سمع صارخا ينادي أنا مظلوم، فقال:
هلم فلنصرخ معا، فاني ما زلت مظلوما. وقوله (وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى) وقوله (أرى تراثي نهبا) وقوله (أصغيا بانائنا وحملا الناس على رقابنا) وقوله (ان لنا حقا ان نعطه نأخذه، وان نمنعه نركب أعجاز الإبل وان طال السرى) وقوله (ما زلت مستأثرا علي مدفوعا عما أستحقه وأستوجبه).
وأصحابنا يحملون ذلك كله على ادعائه الأمر بالأفضلية والأحقية، وهو الحق والصواب، فان حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو تفسيق لوجوه المهاجرين والأنصار، ولكن الامامية والزيدية حملوا هذه الأقوال على ظواهرها، وارتكبوا بها مركبا صعبا.
ولعمري ان هذه الألفاظ موهمة مغلبة على الظن ما يقوله القوم، ولكن تصفح الأحوال يبطل ذلك الظن، ويدرأ ذلك الوهم، فوجب أن يجري مجرى الآيات المتشابهات الموهمة ما لا يجوز على الباري، فإنه لا نعمل بها، ولا نعول على ظواهرها، لأننا لما تصفحنا أدلة العقول، اقتضت العدول عن ظاهر اللفظ، وأن تحمل على التأويلات المذكورة في الكتب.
وحدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية، من ساكني قطفتا بالجانب الغربي من بغداد، وأحد الشهود المعدلين بها، قال: كنت حاضرا عند الفخر