فصحت: واثكل أسماء! فقال: يا أماه! الزمي الصمت وقد لحم ما ترين! فأمسكت. وكان ممن معنا فتيان أحداث من قريش وكان لا علم لهم بالحرب ولم يشهدوا قتالا، فكانوا جزرا للقوم، فإنا لعلى ما نحن فيه وقد كان الناس كلهم حول جملي فأسكتوا ساعة، فقلت: خير أم شر؟ إن سكوتكم ضرس القتال، فإذا ابن أبي طالب أنظر إليه يباشر القتال بنفسه وأسمعه يصيح: (الجمل! الجمل!). فقلت: أراد والله قتلي، فإذا هو قد دنا منه ومعه محمد بن أبي بكر أخي ومعاذ بن عبيد الله التميمي وعمار بن ياسر فقطعوا البطان، واحتملوا الهودج فهو على أيدي الرجال يرفلون به، إذ تفرق من كان معنا فلم أحس لهم خبرا، ونادى منادي علي بن أبي طالب: (لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ومن طرح السلاح فهو آمن).
فرجعت إلى الناس أرواحهم فمشوا على الناس واستحيوا من السعي، فأدخلت منزل عبد الله بن خلف الخزاعي وهو والله رجل قد قتل وأهله مستعبرون عليه، ودخل معي كل من خاف عليا ممن نصب له، وأحتمل ابن أختي عبد الله جريحا، فوالله إني لعلى ما أنا عليه وأنا أسأل ما فعل أبو محمد طلحة؟ إذ قال قائل: قتل! فقلت: ما فعل أبو سليمان؟ فقيل: قد قتل! فلقد رأيتني تلك الساعة جمدت عيناي وانقطعت من الحزن وأكثرت الاسترجاع والندامة، وذكرت من قتل فبكيت لقتلهم فنحن على ما نحن عليه، وأنا أسأل عن عبيد الله، فقيل لي: قتل فازددت هما وغما حتى كاد ينصدع قلبي، فوالله لقد بقيت