يا نفس:
ومثل أهل الدنيا كضيف دعي إلى دار فيها فائدة، وطعام تأنق (1) فيه على مائدة، وعادة المضيف أن يزين للأضياف داره، ويدعوا إليها زواره، ويضع بين أيديهم طبقا من الذهب، مملوءا من الرطب، ومجمرة من فضة فيها من العود والبخور، ما يتطيب به أولئك الحضور يا نفس:
فالعاقل [ترينه] قد تطيب وانطلق، ولم يطمع في تناول المجمرة والطبق، والجاهل لعظم الجهالة يتوهم أن المجمرة والطبق قد وهبا له، فأخذ عند خروجه الطبق والمجمرة فأخذا منه قهرا فما أخسره، فضاق صدره وأتعب قلبه، وطلب الإقالة إذ أظهر ذنبه، وجلله عار ذلك وغشاه، ودرعه ورداه، فالدنيا كمثل دار الضيافة، يتزود منها من يريد قطع المسافة، ولا يطمع فيما في الدار من المتاع، لما وصفناه من عاقبة الارتجاع.
يا نفس:
مثل من ترك الدنيا وطلقلها، وأبغضها وفارقها، كمثل قوم نبأ بهم منزل