عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ١ - الصفحة ٢٤٨
(4) وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: " العقل نور خلقه الله للانسان، وجعله يضئ على القلب ليعرف به الفرق، بين المشاهدات من المغيبات " (1) (5) وقال عليه السلام: " ليس الايمان بالتخلي ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل " (2).
(١) ذهب الناس إلى آراء مختلفة في معنى العقل وحقيقته. ويظهر من هذا الحديث انه جوهر نوراني يضئ على القلب إضاءة الشمس في هذا العالم، ويعرف به ما يمكن مشاهدته بعين البصيرة، كالعلوم والمعارف مما لا يمكن الاطلاع عليه، كأسرار عالم الملكوت.
وفى كلام المحققين اطلاق العقل تارة على العلم بحقايق الأمور، فيكون عبارة من صفة العلم، وقد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب، أعني اللطيفة الروحانية المتعلقة بالقلب الصنبوبرى كما سيأتي بيانه.
وقوله عليه السلام: لما سئل عن العقل؟ فقال: (ما عبد به الرحمان واكتسب به الجنان) تعريف له بالغاية (جه).
(2) يحتمل اشتقاق التخلي من الخلوة، ومعناه الجلوس وحده في مكان خارج عن المشتغلات، واشتقاق التحلي من الحلية، وهي لبس لباس الزهاد. ومعنى الحديث ليس الايمان باظهار هاتين الصفتين، كما يفعله كثير من جهال الصوفية. بل الايمان شئ قلبي يستلزم تعظيم الله، والحضور معه في أغلب الأوقات. وعمل بالأركان مصدق لذلك التعظيم القلبي. وفيه دلالة على رد الإباحية القائلة بأن الحضور القلبي مسقط لعمل الجوارح.
فلأجل ذلك يرد عليهم بمضمون هذا الحديث بأن يقال: التوفير القلبي لا يكفي عن العمل بالأركان، لان ذلك التصديق من عالم الغيب، ومظهره عالم الشهادة، وهو العمل الظاهر بالأركان، فلا بد منهما معا.
ويحتمل أن يراد بالتخلي، الخلو من الصفات الذميمة، ومن التحلي الاتصاف بالصفات الحميدة، ويكون المعنى ليس الايمان بهاتين الصفتين خاصة، بل لابد معهما من الصفتين الأخريتين وهي التوفير القبلي. ونعني به المشاهدات القلبية الموجبة لذلك التعظيم، والأعمال الصالحة المصدقة لتلك المشاهدات. فان من شاهد الآثار الإلهية على التحقيق كان اجتهاده في الاعمال ومراقبة للحق في جميع الأحوال، أبلغ وأكثر ولعل هذه صفات الايمان الكامل لا مطلق الايمان (معه).