وهذا قد حصل لأمير المؤمنين عليه السلام في حال حياة النبي صلى الله عليه وآله وأقره النبي صلى الله عليه وآله عليه ولم يعب عليه شيئا مما حكم به، ثم إنها سنة استمرت بعد مضى النبي صلى الله عليه وآله ورجع إلى حكمه من تولى الامر دونه وشهد له بأنه اقضي الأمة بما قد ثبت في الصحاح بما قدمناه من قول عمر: أقضانا علي عليه السلام، وبما رجع عمر في حكمه إليه، وبما رجع عثمان في حكمه إليه ولم يشهد هو لاحد: انه اقضي منه، ولا انه اعلم منه، ولا رجع إلى حكم أحد بما قد تقدم مما ذكرنا ومما لم نذكره كثيرا في غير هذه الكتب المشار إليها، وإنما لم نأت الا بما لا يمكن النزاع فيه لكونه من الصحاح، فثبت له استحقاق الولاء للأمة في حال كون النبي صلى الله عليه وآله حيا وفى ما بعد، بدليل الميزة له فيما تجب الميزة فيه، وبدليل قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (1) وكون هذه الآية آية الاستحقاق لولاء الأمة خاصة به، وقد تقدم ذكرها من الصحاح فلا يمكن دفع ذلك، وما نبه النبي صلى الله عليه وآله برد الحكومة إليه في حال حياته الا لموضع ما جعل الله له من استحقاق ولاء الأمة في هذه الآية، فليتأمل ذلك ففيه بيان لمن تأمله.
والثاني - من أحد الرجلين الذين عقدنا الباب عليهما: أن يكون من يؤتى الحكمة في حال وجود النبي صلى الله عليه وآله ولا يكون المراد به أن يكون للنيابة بعده وإنما يكون ذلك تنبيها ودليلا على استحقاق نبوة الحاكم في ذلك المقام، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى " وداود وسليمان " إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان (2) فكان تفهيم سليمان عليه السلام لهذه الحكومة دليلا على نبوته واستحقاق الامر في حياة أبيه وبعد وفاته، فقد صارت الحكومة دليلا لاستحقاق النبوة والإمامة، فالتنويه بذكر أمير المؤمنين عليه السلام للإمامة دون التنويه بالنبوة بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الا انه لا نبي بعدى.