يديه ومن خلفه رصدا " (1).
وإذا كان عليه السلام قد انفرد بصلاح الباطن دون غيره، وظاهره صالحة كظاهر غيره، فقد اتفق له صلاح الظاهر والباطن معادون الناس جميعا، وحصل غيره بصلاح الظاهر دون الباطن، فقد حصلت الميزة بينه وبين غيره بحال أدركها هو من غيره وحال لا يدركها غيره منه، بل هي خاصة له، والفرق والإبانة أيضا بوحي الله سبحانه وتعالى لأنه لو علم تعالى من صلاح باطن غيره كما علم من صلاح باطنه لشركه معه في سكنى المسجد.
ثم لا يخلو منعه سبحانه وتعالى القوم من الجواز في المسجد من قسمين:
اما أن يكون لسبب موجب، أو لغير سبب موجب، فإن كان لغير سبب، فقد منع الله سبحانه وتعالى أقارب رسوله صلى الله عليه وآله وأصحابه جواز المسجد والاستقرار فيه لغير سبب موجب، وذلك لا يجوز على الله تعالى، لان مالا يكون عن سبب، خارج عن وجه حكمة، وما خرج عن وجه حكمة، كان عبثا، وما كان عبثا كان قبيحا، والله سبحانه وتعالى لا يفعله لان القبيح، لا يفعله الا جاهل بقبحه أو محتاج إليه، والقديم تعالى عالم بقبح القبيح ومستغن عنه، فلا يجوز ان يفعله، وقد نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن فعل العبث وتمدح بذلك بقوله تعالى: " أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق " (2).
فثبت ان منعهم من جواز المسجد، لا يكون عبثا وما لا يكون عبثا، لا بد له من سبب موجب، وهو وجه الحكمة فيه، وإذا ثبت وجه الحكمة في منع غيره، واباحته هو عليه السلام، ثبتت له الميزة بصلاح باطنه، وإذا ثبت له صلاح الباطن عند الله تعالى ولا مشارك له في ذلك، وجب له الفضل على غيره، ووجب اتباعه والاقتداء به لموضع فضله بهذه المنزلة، وإذا ثبت التمييز بينه وبين غيره في الباطن بوحي الله تعالى، اعتبرنا ذلك أيضا من أفعال الرسول به وأقواله فيه، فوجدنا ألفاظ الصحاح