إلا لمن كان هذا وصفه، وهو عز وجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا.
ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك، أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول.
ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قل: فكذلك لم يبدله في القبلة.
قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أفبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " (1) يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.
ثم قال رسول الله: يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه.
ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين.
فقيل: يا بن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى؟ فقال: لما قال الله تعالى " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وهي بيت المقدس " إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " (2) إلا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد، وذلك إن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبعي محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة