فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها فقيل أفيموت أو يقتل؟ فقال: يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه، يا أخا بكر أنت امرء ضعيف الرأي، أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة، وولدوا على فطرة، وإنما لكم ما حوى عسكركم، وما كان في دورهم فهو ميراث. فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره، يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة، فقسم ما حوى العسكر، ولم يتعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل، يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بالحق، فمهلا مهلا رحمكم الله فإن لم تصدقوني وأكثرتم علي - وذلك إنه تكلم في هذا غير واحد - فأيكم يأخذ عائشة بسهمه؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا، وعلمت وجهلنا، فنحن نستغفر الله تعالى، ونادى الناس من كل جانب: أصبت يا أمير المؤمنين، أصاب الله بك الرشاد، والسداد، فقام عباد فقال:
أيها الناس إنكم والله لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيس شعرة، وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وآله علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به وإكراما منه لنبيه صلى الله عليه وآله حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه.
ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس، فإني حاملكم إنشاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة، وإن كان فيه مشقة شديدة، ومرارة عديدة. والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل. ثم إني أخبركم أن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليل منهم، فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم