علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم، فانطلق إبليس كئيبا حزينا، فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن لو قد قبض إن الناس سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثم تجتمع شياطينه وأبالسته فيخر ويكسع (1) ثم يقول كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله.
فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلا أربعة وأربعون رجلا، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة. قلت لسلمان: من الأربعة؟
قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم من الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا: نصحبك بكرة، فما منهم أحد وفى غيرنا، ثم الليلة الثالثة فما وفى أحد غيرنا، فلما رأى علي عليه السلام عذرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع، فبعث إليه أني مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى عليه السلام بأعلى صوته:
أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثواب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى عليه وآله وعلمني تأويلها.
فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله. ثم دخل بيته فقال عمر لأبي بكر: أرسل