وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاث، فإن الآية التي اقترحتها تكون بحضرتي.
فقال أبو جهل للفرق الثلاث: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد صلى الله عليه وآله، فذهب الفريق الأول إلى جبل أبي قبيس والثاني إلى صحراء ملساء والثالث إلى ظل الكعبة ورأوا ما وعدهم الله ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله مؤمنين، وكلما رجع فريق منهم إليه وأخبروه بما شاهدوا ألزمه رسول الله صلى الله عليه وآله الإيمان بالله فاستمهل أبو جهل إلى أن يجيء الفريق الآخر حسب ما أوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر الفاطمية تركنا ذكره هاهنا طلبا للايجاز والاختصار.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: فلما جاءت الفرقة الثالثة وأخبروا بما شاهدوا عيانا وهم مؤمنين بالله وبرسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي جهل:
هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت. فقال أبو جهل: لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا أم حقق لهم ذلك أم خيل إليهم، فإن رأيت أنا ما اقترحته عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمني الإيمان بك وإلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء على كثرتهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جهل فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم فكيف تصدق بمآثر آبائك وأجدادك ومساوئ أسلاف أعدائك، وكيف تصدق على الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها، وهل المخبرون عن ذلك إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها معهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه إلا إذا كان بإزائهم من يكذبهم ويخبر بضد أخبارهم، ألا وكل فرقة محجوجون بما شاهدوا، وأنت يا أبا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهده.
ثم أخبره النبي صلى الله عليه وآله بما اقترح عليه من آيات عيسى من أكله لما أكل وادخاره في بيته لما ادخر من دجاجة مشوية وإحياء الله تعالى إياها وإنطاقها بما فعل بها أبو جهل وغير ذلك على ما جاء به في هذا الخبر، فلم يصدقه أبو جهل