من هذا، إنه لين الله له الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا، (1) ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين، (2) وقد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته.
قال له اليهودي: هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبل معه لخوفه قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كأريز المرجل على الأثافي من شدة البكاء، (3) وقد آمنه الله عز وجل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه فيكون إماما لمن اقتدى به، ولقد قام صلى الله عليه وآله عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (4) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: بلى أفلا أكون عبدا شكورا؟ ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل بمحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا: إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: " قر فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق شهيد " فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " ما يبكيك يا جبل؟ فقال: يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له: " لا تخف تلك الحجارة الكبريت " فقر الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله صلى الله عليه وآله.