حيث قال: " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة " سبحان الله تعالى عما يشركون.
ثم إن الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا وعن سبيل الجدال وإن كان حقا، وقولهم: " إن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لم يجادلوا قط ولا استعملوه ولا للشيعة فيه إجازة بل نهوهم عنه وعابوه "، فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع أهل الخلاف وذوي الفضول، قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام، وأنهم عليهم السلام إنما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج، فإنهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم ومداولة الكلوم، فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم. وأنا ابتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوي على ذكر آيات من القرآن التي أمر الله تعالى بذلك أنبياءه بمحاجة ذوي العدوان ويشتمل أيضا على عدة أخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة، ثم نشرع في ذكر طرف من مجادلات النبي والأئمة عليه وعليهم السلام، وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة حيث تقتضي الحال ذكره، ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أول جزء من ذلك دون غيره، لأن جميع ما رويت عنه عليه السلام إنما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره.
والله المستعان فيما قصدناه وهو حسبي ونعم الوكيل.