طاعة أو معصية مضاعفا لصحبتهن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقربهن منه، ومشاهدتهن آياته، ولأنهن قد حصلن قدوة لسواهن، وسلفا لمن بعدهن، ولسن فيما يفعلن كغيرهن.
ومن عجيب أمر المعتزلة: أنهم يظهرون التمسك بالدليل، ويتحملون بالاعتماد على ما توجبه العقول، ويعترفون بأن الواجب على كل عاقل أن لا يعدل عن المعلوم إلى المجهول، ولا يترك اليقين ويأخذ بالظنون، ولا يهجر المشتهر المجمع عليه انصرافا إلى الشاذ من القول، وأن من فعل ذلك فهو على خطأ كبير وزلل عظيم.
ثم إنهم مع هذا يخالفون أقوالهم، ويناقضون أنفسهم، فيقولون في عائشة وطلحة وزبير الذين قد انقطع العذر بفسقهم عن الدين، وصح لكل عاقل ضلالهم بالبرهان المبين، وتحصيل عداوتهم فريضة على جميع المؤمنين، أنهم تابوا مما اقترفوه، وأقلعوا عما اجترحوه، ولم يخرجوا من الدنيا إلا وهم من الخلصاء المؤمنين، والأتقياء الطاهرين، وأن الزبير الذي لم يشك في حربه، وطلحة الذي هلك في قتاله وحربه، لم يقتلا إلا وهما صفيان لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ووليان له ومخلصان، وأنهما معه في القيامة عند الله في جملة من قال الله: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين﴾ (1).
ويعتمدون في ذلك على أخبار آحاد، وحكايات شواذ، لم يجتمع عليها مع إمكان تأويلها، وأحسن أحوالها أن توجب الظن لسامعها من غير علم ويقين يحصل بها، وينتقلون بها من اليقين إلى الظنون، وينصرفون من المعلوم إلى