بل كيف لم يفعل ذلك بسورة الحمد التي هي: سبع المثاني، وأم الكتاب، وفاتحة الكتاب، وكل صلاة بغيرها خداج (1)؟ فكيف صارت آية الغار أحق بالتفضيل والتميز من جميع ما نزل؟ وما الذي شرفت به على سورتي " الحمد " و " قل هو الله أحد " لولا الهوى الذي يعبده، والعناد الذي يقصد، وقد رأيت نسخة التوراة مع بعض اليهود فاطلعت فيها فرأيتهم قد ميزوا العشر الكلمات عن جميعها فكتبوها بذهب، فأظن فاعل ذلك بآية الغار اقتدى باليهود في هذا الأمر.
ومن العجب: اعتقادهم في آية الغار فضلا وهي شاهدة عليه بالنقص واستحقاق الذم، وظنهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذه معه للأنس به، وقد آنسه الله بالملائكة ووحيه، وتصحيح اعتقاده أنه تعالى ينجز له ما وعده، وإنما أخذه لأنه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه احتياطا في تمام شره، وتوهموا أن حصوله في الغار منقبة له، وفي الغار ظهر خطاؤه وزلله، لأنه حصل معه في الغار في حرز حريز، ومكان مصون، بحيث يأمن الله على نبيه مع ما ظهر له من الآيات في تعشيش الطائر ونسج العنكبوت على بابه، لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة، ولا صدق بالآية، وأظهر الحزن والمخافة، حتى غلبه بكاؤه، وتزايد قلقه وانزعاجه، وبكى النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الحال إلى مقاساته، ووقع إلى مداراته، فنهاه عن الحزن وزجره، ونهي النبي (صلى الله عليه وآله) لا يتوجه في الحقيقة إلا إلى الزجر عن القبيح، ولا سبيل إلى صرفه إلى المجاز بغير دليل، لا سيما وقد ظهر من جزعه وبكائه ما يكون من مثله فساد الحال في الاختفاء، فهو إنما نهى عن استدامة ما وقع منه، ولو سكنت نفسه إلى ما وعد الله تعالى نبيه، وصدقه فيما أخبر به من