الشطر الأوفر من ذلك ثم احتجب، إلى أن قيض الرحمن لهذه المهمة رجل الهمة، ومثال صدق العزيمة، ترجمان حديث الأئمة - عليهم السلام - أعني به فضيلة الواعظ الچرندابي، الحاج ميرزا عباس قلي التبريزي، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد لنشر المكمل المشروح من تصحيح الاعتقاد، وهو هذا المنشور بين يديك.
أما مؤلف هذا السفر القيم أعني أبا عبد الله المفيد، فهو نابغة العراق، ورئيس شيعته على الإطلاق، ولد في الحادي عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين أو ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 413 ه، وقد كان في الشيعة عرقها النابض، وبطلها الناهض، ودماغها المفكر ورئيسها المدبر، معروفا بالصلاح، بل غرة رجال الاصلاح، والخطيب المصقع، والمتكلم المفوه، والمنافح اللسن، والفصل المشترك بين الإمام والرعية، ليس في ختام المائة الرابعة فحسب، بل حتى اليوم (1).
كانت داره بالكرخ من بغداد دائرة للمعارف العالية، ومدرسة للفنون العربية الراقية، وحسبك أن قد تخرج منها أمثال الشريفين الرضي والمرتضى، وأبي جعفر الطوسي والنجاشي وخلق لا يحصون، ولذلك لقب بمعلم الأعاظم وابن المعلم، لقيامه كأبيه بتربية الأعلام، ولقبه بالمفيد علي بن عيسى الرماني النحوي عند تبرزه في الحجاج على خصومه أمثال أبي بكر الباقلاني، قاضي قضاة بغداد، وسائر أقطاب الهيئة العلمية (2).
لقد كان المفيد مفيدا حقا، مفيدا في القول والعمل، مفيدا في الافتكار والابتكار، آية في الذكاء وسرعة الخاطر وبداهة الجواب، حتى قال فيه أمثال الخطيب البغدادي: إنه لو أراد أن يبرهن للخصم أن الأسطوانة من الذهب وهي من الخشب لاستطاع.