حتى الجن في البراري والبحار، حتى الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم. قال: فبكيت.
قال: لا تبك يا مسيب، إنا نور لا نطفأ، إن غبت عنك، فهذا علي ابني يقوم مقامي بعدي، هو أنا. فقلت: الحمد لله.
قال: ثم إن سيدي في ليلة اليوم الثالث دعاني فقال لي: يا مسيب، إن سيدك يصبح من ليلة يومه على ما عرفتك من الرحيل إلى الله (تعالى)، فإذا أنا دعوت بشربة ماء فشربتها فرأيتني قد انتفخت بطني، يا مسيب، واصفر لوني، واحمر، واخضر، وتلون ألوانا، فخبر الظالم بوفاتي، وإياك بهذا الحديث (1). أن تظهر عليه أحدا من عندي إلا بعد وفاتي.
قال المسيب: فلم أزل أترقب وعده، حتى دعا بشربة الماء فشربها، ثم دعاني فقال: إن هذا الرجس، السندي بن شاهك، سيقول إنه يتولى أمري ودفني، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا! فإذا حملت نعشي إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش، فالحدوني بها، ولا تعلوا على قبري علوا واحدا، ولا تأخذوا من تربتي لتتبركوا بها، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام)، فإن الله جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
قال: فرأيته تختلف ألوانه، وتنتفخ بطنه، ثم قال: رأيت شخصا أشبه الأشخاص به، جالسا إلى جانبه في مثل هيئته، وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) في ذلك الوقت غلاما، فأقبلت أريد سؤاله، فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام): قد نهيتك يا مسيب، فتوليت عنهم، ولم أزل صابرا حتى قضى، وعاد ذلك الشخص.
ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد، فوافى الرشيد وابن شاهك، فوالله، لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه، وكل ذلك أراهم لا يصنعون به شيئا، ولا تصل أيديهم إلى شئ منه، ولا إليه، وهو مغسول، مكفن، محنط، ثم حمل ودفن في مقابر قريش، ولم يعل على قبره إلى الساعة. (2)