فنظر وقال لي: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا أهل البيت سابغة، وأياديه لدينا جميلة، فأحسن ظنك بربك، فإنه لا يضيع من أحسن به ظنا.
فأخذت الركوة من يده وشربت، فإذا سويق وسكر، فوالله ما شربت شيئا قط ألذ منه، ولا أطيب رائحة، فشبعت ورويت، وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا، فدفعت إليه الركوة.
ثم غاب عن عيني، فلم أره حتى دخلت مكة وقضيت حجي، فإذا أنا بالفتى في هدأة من الليل، وقد زهرت النجوم، وهو إلى جانب قبة الشراب (1) راكعا ساجدا، لا يريد مع الله سواه، فجعلت أرعاه وأنظر إليه، وهو يصلي بخشوع وأنين وبكاء، ويرتل القرآن ترتيلا، فكلما مرت آية فيها وعد ووعيد رددها على نفسه، ودموعه تجري على خده، حتى إذا دنا الفجر جلس في مصلاه يسبح ربه ويقدسه، ثم قام فصلى الغداة، وطاف بالبيت أسبوعا، (2) وخرج من باب المسجد، فخرجت، فرأيت له حاشية وموال، وإذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت، وإذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم، ويسلمون عليه، فقلت لبعض الناس، أحسبه من مواليه: من هذا الفتى؟
فقال لي: هذا أبو إبراهيم، عالم آل محمد.
قلت: ومن أبو إبراهيم؟
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
فقلت: لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد إلا في هذه الذرية. (3) 264 / 7 - وحدثني القاضي أبو الفرج المعافى، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل الكاتب، قال: كان بحضرة باب الرشيد رجل من الأنصار يقال له (نفيع) وكان عريضا، وكان آدم بن عبد العزيز شاعرا ظريفا، فاتفقا يوما بباب الرشيد، وحضر موسى