فقال لأبي: أسألك عن مسألة أخرى. فقال له أبي سل.
فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة، لا تنقطع، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟
فقال له أبي: دليل ما ندعي أن ترابنا (1) أبدا غض طري موجود غير معدوم عند جميع أهل الدنيا (2) لا ينقطع.
فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا، ثم قال: كلا، زعمت أنك لست من علمائها! فقال له أبي: ولا من جهالها.
فقال: أسألك عن مسألة. فقال له: سل.
قال: أخبرني عن ساعة من ساعات الدنيا ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار.
فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى، ويرقد فيها الساهر، ويفيق المغمى عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين، وفي الآخرة للعاملين لها، ودليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المنكرين التاركين لها.
قال: فصاح النصراني صيحة، ثم قال: بقيت مسألة واحدة، والله لأسألنك عنها، ولا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا. فأسألك؟ فقال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك.
فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد، وماتا في يوم واحد، عمر أحدهما خمسون ومائة سنة، والآخر خمسون سنة في دار الدنيا.
فقال له أبي: ذلك عزير وعزرة، ولدا في يوم واحد، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما، مر عزير وهو راكب على حماره بقرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟! وقد كان الله اصطفاه وهداه، فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته مائة عام سخطا عليه بما قال.