فقال لهم أبي: افتحوا لنا الباب وأنزلونا، وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم.
فقالوا: لا نفتح، ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا (1) وتموت دوابكم تحتكم. فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا.
قال: فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي: مكانك - يا جعفر - لا تبرح. ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته:
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله (عز وجل) - بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * (2) نحن والله: بقية الله في أرضه.
فأمر الله (تعالى) ريحا سوداء مظلمة، فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان (3)، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم.
وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن، فنظر إلى أبي على الجبل، فنادى بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل مدين، فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب (عليه السلام) حين دعا على قومه، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه، جاءكم من الله العذاب وأتى عليكم، وقد أعذر من أنذر. ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا.
وكتب العامل (4) بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطمره (5)، فأخذوه فطمروه (رحمة الله عليه).
وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي شئ من ذلك. (6) 163 / 27 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس