كما كان يأتيه، فوصف له عيسى هذا وقال له انه من شيعتك ومن حاله ومن قصته، فأذن له فدخل إليه وهو جالس، ومعه ابن إدريس بن عبد الله، وكاتب كان لإبراهيم بن عبد الله، فبدأ بأحمد بن عيسى وابن إدريس فقبل أيديهما، وجلس معهما وآنسهما، وجعل يرسل إليهما بالهدايا والكسوة، واشترى لهما وصيفتين، فاطمأنا إليه وأكلا من طعامه وشربا من شرابه، فلما وقعت الثقة قال له: هذا بلد ضيق ولا خير فيه، فهلما معي حتى أوافي بكما مصر وإفريقية، فان أهلهما يخفون معي ويطيعونني. قالوا: وكيف تأخذ بنا؟ قال: أجلسكم الماء إلى واسط، ثم آخذ بكم على طريق الكوفة، ثم على الفرات إلى الشام. فأجابوه فأجلسهم في السفينة، وصير معهم أعوان أبي الساج أمناء عليهم ومضوا. ولما كان في بعض الطريق قال لهم: أتقدمكم إلى واسط لاصلاح بعض ما نحتاج إليه من سفرنا من كراء أو غيره ومضى هو والبربري فركبا دواب البريد وأوصى الموكلين بهما ألا يعلمونهم بشئ ولا يوهمونهم أنهم من أصحاب السلطان، وأن يحتاطوا عليهم ما قدروا، ففعلوا ذلك ومضوا. فلما كانوا ببعض الطريق حبسهم أصحاب الصدقة وقالوا: لا تجوزوا فصاح بهم الموكلون: نحن من أصحاب أبي الساج وأعوانه جئنا في أمر مهم، فخلوا عنهم، وانتبه أحمد بن عيسى وأصحابه لذلك، فلما جاوزوا قليلا قال لهم أحمد ابن عيسى أقدموا إلى الشط لنصلي. فقدم الملاحون، وخرجوا، فتفرقوا بين النخل وتستروا بها وأبعدوا عن أعين الموكلين، والموكلون في الزورق لا يوهمونهم أنهم معهم، فلما بعدوا عن أعينهم جعلوا يحضرون على أقدامهم حتى فاتوهم هربا وبعدوا عنهم. وطال انتظار الموكلين بهم، فلم يعرفوا خبرهم وما الذي أبطأ بهم، فخرجوا يطلبونهم، فلم يجدوهم، وتتبعوا آثارهم وجدوا في أمرهم، فلم يقدرا عليهم، فرجعوا إلى الزورق خائبين حتى أتوا واسط، وقد قدمها عيسى صاحب بريد أصبهان الذي دبر على القوم ما دبر، وقد وجه معه الرشيد ثلاثين رجلا ليتسلم أحمد، فاخبروه ما كان، فقال: لا والله ولكن ارتشيتم وصانعتم وداهنتم، وقدم
(٤١٣)