وقد اختلف أيضا في تخلصه كيف كان، فلم نذكره كراهة الإطالة، إلا أن أقرب ذلك إلى الحق ما ذكره النوفلي من أن محمد بن إبراهيم كان له ابن منهوم بالصيد، فدفع إليه أحمد بن عيسى، واقسم عليه ان يخرجه في جملة غلمانه متلثما متنكرا، ولا يسأله عن شئ حتى يوافي به المدائن، ويخرجه عنها إلى نحو فرسخ من خارجها، ويتنظر حتى يمر به زورق منحدر فيقعده فيه ويحدره إلى البصرة، ففعل ذلك، ونجا احمد فمضى إلى البصرة.
رجع الحديث إلى حكاية هارون بن محمد:
قال: ثم إن الرشيد دعا برجل من أصحابه يقال له: ابن الكردية واسمه يحيى بن خالد فقال له: قد وليتك الضياع بالكوفة، فامض إليها وتولى العمل بها وأظهر انك تتشيع، وفرق الأموال في الشيعة حتى تقف على خبر أحمد بن عيسى فمضى بن الكردية هذا ففعل ما امر به، وجعل يفيض الأموال في الشيعة ويفرقها عليهم ولا يسألهم عن شئ حتى ذكروا له رجلا منهم يقال له: أبو غسان الخزاعي فأطنبوا في وصفه، واعرض عنهم ولم يكشفهم عنه إلى أن ذكروه مرة أخرى فقال وما فعل هذا الرجل؟ إنا إليه لمشتاقون، قالوا: هو مع أحمد بن عيسى بالبصرة، فكتب بذلك إلى الرشيد، فأمره بالرجوع إلى بغداد، ثم ولاه البصرة مثل ما كان ولاه بالكوفة، فمضى إليها. وكان مع أحمد بن عيسى بن زيد، رجل من أصحاب يحيى بن عبد الله يقال له: حاضر، وكان ينقله من موضع إلى موضع، حتى أنزله في دار يقال لها: دار عاقب في العتيك، وكان لا يظهره لاحد، ويقول: إنما نزل في تلك الناحية هربا من دين عليه، قال: فحدثني يزيد بن عيينة انه كان يخرج إليهم فيقول لهم: علي دين ويسألهم. قال: فيقولون له: لو طلبك السلطان لم يقدر عليك فكيف لمن له عليك دين.
قال: وجاء ابن الكردية هذا إلى البصرة ففعل ما فعله بالكوفة، وجعل يفرق الأموال في الشيعة حتى ذكروا له حاضرا وأحمد بن عيسى، فتغافل عنهم، ثم أعادوا