ثم أومأ بيده نحو الكمين الذي بعثه، وصاح بأهل الكوفة: احملوا، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو آلاء شارة.
وخالط أبو السرايا وغلامه سيار العسكر، وتبعه أهل الكوفة وصاح بغلامه.
ويلك يا سيار ألا تراني، فحمل سيار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم، وانهزمت المسودة. وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى: من نزل عن فرسه فهو آمن فجعلوا يترجلون، وأصحاب أبي السرايا يركبون، وتبعوهم حتى جاوزوا شاهي، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال: ويحك، أتريد هزيمة أكثر من هذه؟ إلى أين تتبعني؟
فرجع وتركه. وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها، وصاروا إلى عسكر زهير ابن المسيب ومطابخه قد أعدت وأقيمت، وكان قد حلف ألا يتغدى إلا في مسجد الكوفة، فجعلوا يأكلون ذلك الطعام، وينتهبون الأسلحة والآلة، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد. ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستترا، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر باحضاره، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدى عينيه وقال لبعض من كان بحضرته: أخرجه فاضرب عنقه، فتشفعوا فيه، فلم يزل يكلم فيه حتى عفا عنه.
ودخل أبو السرايا الكوفة، ومعه خلق كثير من الأسارى، ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة، وفي صدور الخيل مشدودة، ومن معه من أهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح، فهو في حالة واسعة، وأنفسهم بما رزقوه من النصر قوية.
واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين، لما جرى على عسكر زهير، وطال اهتمامهم به، فدعا الحسن بن سهل بعبدوس بن عبد الصمد، وضم إليه الف فارس وثلاثة آلاف راجل وأزاح علته في آلاء عطاء، وقال: إنما أريد ان أنوه باسمك فانظر كيف تكون، وأوصاه بما احتاج إليه، وأمره ألا يلبث.
فخرج من بين يديه وهو يحلف ان يبيح الكوفة، ويقتل مقاتلة أهلها ويسبي