قالا: نعم. قال: وحجازيين. قالا نعم. فقال له راشد: أريد ان القي إليك أمرنا على أن تعاهد الله أنك تعطينا خلة من خلتين: اما ان تؤوينا وتؤمننا، وإما سترت علينا أمرنا حتى نخرج من هذا البلد. قال: افعل: فعرفه نفسه وإدريس ابن عبد الله، فأواهما وسترهما. وتهيأت قافلة إلى إفريقية فأخرج معها راشدا إلى الطريق وقال له: إن على الطريق مسالح ومعهم أصحاب اخبار تفتش كل من يجوز الطريق، وأخشى أن يعرف، فأنا امضي به معي على غير الطريق حتى أخرجه عليك بعد مسيرة أيام، وهناك تنقطع المسالح. ففعل ذلك وخرج به عليه فلما قرب من إفريقية ترك القافلة ومضى مع راشد حتى دخل بلد البربر في مواضع منه يقال لها فاس وطنجة، فأقام بها واستجابت له البربر. وبلغ الرشيد خبره فغمه، فقال النوفلي خاصة في حديثه وخالفه علي بن إبراهيم وغيره فيه، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد فقال: أنا أكفيك أمره. ودعا سليمان بن جرير الجزري، وكان من متكلمي الزيدية البترية ومن أولى الرياسة فيهم، فأرغبه ووعده عن الخليفة بكل ما أحب على أن يحتال لاء دريس حتى يقتله، ودفع إليه غالية مسمومة، فحمل ذلك وانصرف من عنده، فأخذ معه صاحبا له، وخرج يتغلغل في البلدان حتى وصل إلى إدريس ابن عبد الله فمت إليه بمذهبه وقال: إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي، فجئتك فأنس به واجتباه، وكان ذا لسان وعارضة، وكان يجلس في مجلس البربر فيحتج للزيدية ويدعو إلى أهل البيت كما كان يفعل، فحسن موقع ذلك من إدريس إلى أن وجد فرصة لإدريس فقال له: جعلت فداك، هذه قارورة غالية حملتها إليك من العراق، ليس في هذا البلد من هذا الطيب شئ. فقبلها وتغلل بها وشمها وانصرف سليمان إلى صاحبه، وقد أعد فرسين، وخرجا يركضان عليهما. وسقط إدريس مغشيا عليه من شدة السم فلم يعلم من بقربه ما قصته. وبعثوا إلى راشد مولاه فتشاغل به ساعة يعالجه وينظر ما قصته، فأقام إدريس في غشيته هاته نهاره حتى قضى عشيا، وتبين راشد امر سليمان فخرج في جماعة يطلبه فما لحقه غير راشد
(٣٢٥)