فنزل عندها في منزلها ببني غبر. قالت: فقلت له: بأبي أنت، قد قتل أخواك وولى البصرة محمد بن سليمان وأنت خاله، وليس عليك بأس. قالت فأرسل رسولا ليشتري له طعاما فحمله على حمال أسود صغير من الغلمان الذين يحملون حوائج الناس فقالوا له: كم كراء ما حملت؟ قال: أربعة دوانيق فأعطوه فلم يرض فازداد حتى أعطوه أربعة دراهم فرضى وانصرف.
قالت: فوالله ما غسل يده من طعامه حتى أحاطت الخيل بالدار فلما أحس موسى بذلك جزع، وأشرفت أنظر وقلت: ليست هذه الخيل إليكم، هؤلاء يطلبون قوما من الدعار من جيراننا فوالله ما أتممت الكلام حتى وافتنا الخيل في الدار. وكان مع موسى ابنه عبد الله، ومولى له، ورجل آخر من شيعته فدخل الجند الدار ومع بعضهم شئ ملفوف في كساء على كفل دابة من دوابهم فكشفوا الكساء فإذا الأسود الحمال فقال لهم: هذا موسى بن عبد الله وهذا ابنه عبد الله وهذا مولاه وهذا لا أعرفه. فوالله لكأنه صحبهم من الشام. واخذوهم حتى صاروا بهم إلى محمد بن سليمان فقال لهم: لا قرب الله قرابتكم ولا حيى وجوهكم تركتم كل بلد في الأرض إلا بلدا أنا فيه. فان وصلت أرحامكم عصيت أمير المؤمنين وإن أطعت أمير المؤمنين قطعت أرحامكم وهو والله أولى بكم مني.
قال: فحملهم إلى المنصور فضرب موس بن عبد الله خمسمائة سوط فصبر، فقال المنصور لعيسى بن علي: عذرت أهل الباطل في صبرهم - عني الشطار - ما بال هذا الغلام المنعم الذي لم تره الشمس.
فقال موسى: أمير المؤمنين إذا صبر أهل الباطل على باطلهم فأهل الحق أولى.
فلما فرغوا من ضربه أخرجوه فقال له الربيع: يا فتى قد كان بلغني أنك من نجباء أهلك وقد رأيت خلاف ما بلغني. فقال له موسى: وما ذاك؟ قال: رأيتك بين يدي عدوك تحب أن تبلغ في مكروهك وتزيد في مساءتك وأنت تماحكه في