سبق من أنه عليه السلام كتبه لأبي جعفر أحمد السكين، وكان هو حامله ولا يعلم مقره! هل كان في مجمع الرواة من الشيعة، كالكوفة وقم، أو أبعد البلاد منهم كأصفهان؟ كما ذكر النجاشي في ترجمة إبراهيم بن محمد الثقفي، أنه كان سبب خروجه من الكوفة أنه عمل كتاب المعرفة، وفيه المناقب المشهورة والمثالب، فاستعظمه الكوفيون وأشاروا إليه، بأن يتركه ولا يخرجه، فقال: أي البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: أصفهان، فحلف لا أروي هذا الكتاب إلا بها، فانتقل إليها ورواه بها، ثقة منه بصحة ما رواه فيه، انتهى (1).
فلو فرض أنه كان ساكنا فيه أو فيما شاكله، لم تكن عادة هنا تقضي بنشره. مع أن المانع لا ينحصر في التقية التي نفاها في عصره (عليه السلام) فقد يكون ضنة صاحب الكتاب وحرصه عليه أوجب اختصاصه به، أو سكونه في بلد لا يجد من يلقيه إليه كما عرفت، أو أمره (عليه السلام) بكتمانه وستره إلى مدة لبعض الحكم المخفية علينا، ولو كان الكتاب من إملائه (عليه السلام) كما ذكره السيد المحقق البغدادي في عدته، واحتمله صاحب المفاتيح، وقويناه، فهو كسائر الاخبار المتكثرة التي لم تصل إلينا، أو وصلت بعد برهة من الزمان.
قال الشيخ الطوسي قدس سره في ترجمة ابن عقدة: سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث (2). فلعله كان له ذكر فيها خفي فيما خفي منها.
وأما ما ذكره من أنه لو كان منه عليه السلام لما خفي على الأئمة من ولده عليهم السلام، ولما أخفوه عن شيعتهم، إلى آخره، ففيه أنه ما كان من دأبهم وطريقتهم عليهم السلام إرجاع شيعتهم - خصوصا السائلين منهم - في صنوف