من أكابر أصحابنا. قم ذكر شطرا مما قدمناه في ترجمة هذه الرسالة - إلى أن قال وأنت إذا أحطت بما ذكرنا في أمر هذه الرسالة، ووقفت عليها ولاحظتها أيضا اتضح لك أن الفقه الرضوي لو كان من تأليف الامام، لكان أولى بالاشتهار بين الخاص والعام، وذلك لان الرسالة المذكورة لا تزيد على وريقات قليلة، ألفها الإمام عليه السلام في الطب والفقه الرضوي كتاب مبسوط مشتمل على أكثر أمهات أحكام الفقه، ولا يخفى على المتتبع الماهر، البصير بأحوال الرجال، أن اهتمام أصحابنا في حفظ مثله، كان أشد من اهتمامهم في أمر مختصر، لا مدخلية له في الاحكام.
إن قيل: أن الامر منعكس، والأولوية ممنوعة، لان الرسالة المذكورة مقصورة على جملة من أحكام الطب: وتدبير الأبدان. وليس فيها شئ مما يتعلق بالأديان وأحكام الايمان، ومثله ما كان يخفى على الطائفة الحقة الامامية، لعدم مانع عن إظهارها، والتزام اخفائها من تقية وغيرها، بخلاف الكتاب المذكور، فإن التقية التي كانت من أشد الموانع في أعصار الظهور، منعت من ظهورها ووصولها إلى الأصحاب.
قلت: لا يخفى على من اطلع على تفصيل ما من الله تعالى على الامام الثامن، وشيعة الحق من الاعزاز والاحترام في دولة المأمون العباسي، ولاحظ ما مر بينه وبين علماء المخالفين من المناظرات والمباحثات، في أمر الإمامة، وغصب حقوق أهل البيت، وسائر بدع الخلفاء، أن التقية كانت مرفوعة في مدة مديدة، من أواخر عصره في العراق وما والاها، وكانت الطائفة الحقة الامامية لا يتقون من المخالفين في أصول عقائدهم، فضلا عن فروع مذهبهم وأحكامهم، لا سيما أهل بلدة قم، فإنها كانت في عصره مملوءة من علماء الشيعة، وكانوا يعلنون كلمة الحق غاية الاعلان، ولا يتقون في أمر دينهم من أحد من أولياء الشيطان.