وفدنا مرارا فكانت هذه علامتنا ودلالتنا وقد مات فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلا رددناها إلى أصحابها فقال: جعفر: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون يكذبون على أخي وهذا علم الغيب فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين قال: فبهت جعفر ولم يحر جوابا فقال القوم: يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدر معنا حتى نخرج من هذه البلدة قال: فأمرهم بنقيب فأخرجهم منها.
فلما أن خرجوا منها خرج عليهم غلام أحسن الناس وجها كأنه خادم فنادى يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم، فقال له: أنت مولانا قال: معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا إليه قالوا:
فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) فإذا ولده (عليه السلام) قاعد على سرير كأنه فلقة القمر عليه ثياب خضر فسلمنا عليه فرد علينا السلام ثم قال: جملة المال كذا وكذا دينارا حمل فلان كذا، وفلان كذا; لم يزل يصف حتى وصف الجميع ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب فخررنا سجدا لله عز وجل شكرا لما عرفنا وقبلنا الأرض بين يديه ثم سألناه عما أردنا وأجاب فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القايم (عليه السلام) أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئا فإنه ينصب لنا ببغداد رجلا تحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن وقال له: أعظم الله أجرك في نفسك.
قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي - رحمه الله - وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى النواب المنصوبين بها وتخرج من عندهم التوقيعات، ثم قال الصدوق: هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر (1) كم هو وأين موضعه، ولهذا كف عن القوم وعما معهم من الأموال ودفع جعفر الكذاب عنهم، ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلا إنه كان يجب أن يخفى هذا الأمر ولا يظهر لئلا يهتدى إليه الناس فيعرفوه. أقول إنما لم يؤاخذ الخليفة هؤلاء القوم، ولم يؤذهم ولم يفتش حال من بعث الأموال مع شدة عداوته لمظهري هذا الأمر لأن الله تعالى قد يجعل عدوه شفيقا على أوليائه كما جعل فرعون شفيقا على كليمه موسى (عليه السلام).