الآخر أن الهداية منه التعريف كقوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) وليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجة على حكم الآيات اللاتي امر بالأخذ بها وتقليدها - الحديث»: وقال المحقق الطوسي: الإضلال: إشارة إلى خلاف الحق وفعل الضلالة والإهلاك، والهدي: مقابل له، والأولان منتفيان عنه تعالى، وفي الشرح يعني يطلق الإضلال على معان ثلاثة: الأول: الإشارة إلى خلاف الحق، الثاني: فعل الضلالة، الثالث: الإهلاك، والهدى مقابل له فيطلق على مقابلات المعاني الثلاثة المذكورة الإشارة إلى الحق وفعل الهداية وعدم الإهلاك والإضلال بالمعنيين الأولين منتف عنه تعالى لأنه قبيح، والله تعالى منزه عن فعل القبيح، وأما الهدى فيجوز أن يسند إليه تعالى بالمعاني الثلاثة فما ورد في الآيات من إسناد الإضلال إليه فهو بالمعنى الثالث أعني الإهلاك والتعذيب كقوله تعالى (ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) وقوله تعالى (يضل به كثيرا).
وأما الأشاعرة فالإضلال عندهم بمعنى خلق الكفر والضلال بناء على أنه لا يقبح منه تعالى شيء.
وقال الفاضل الأسترآبادي في حاشيته على هذا الحديث: يجيء في باب ثبوت الإيمان أن الله خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة وكفرا بجحود. ثم بعث الله الرسل يدعوا العباد إلى الإيمان به فمنهم هدى الله ومنهم لم يهده الله، وأقول: هذا إشارة إلى الحالة التي سمتها الحكماء العقل الهيولاني. ومعنى الضال هو الذي انحرف عن صوب والصواب ولما لم يكن قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب صوب صواب امتنع حينئذ الانحراف عنه، ولما حصلا أمكن ذلك فيكون الله تعالى سببا بعيدا في ضلالة الضال، وهذا هو المراد بقوله (عليه السلام) يضل. وقال في الفوائد المدنية: وأما أنه تعالى هو المضل فقد تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بأن الله يخرج العبد من الشقاوة، إلى السعادة ولا يخرجه من السعادة إلى الشقاوة فلابد من الجمع بينهما ووجه الجمع كما يستفاد من الأحاديث وإليه ذهب ابن بابويه: ان من جملة غضب الله تعالى على بعض العباد أنه إذا وقع منهم عصيان ينكت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب وأناب يزيل الله تعالى تلك النكتة وإلا فتنشر تلك النكتة حتى تستوعب قلبه كله فحينئذ لا يلتفت قلبه إلى موعظة ودليل. لا يقال: من المعلوم أنه مكلف بعد ذلك، وإذا امتنع تأثر قلبه فيكون تكليفه بالطاعة من قبيل التكليف بما لا يطاق، لأنا نقول: من المعلوم أن انتشار النكتة لا ينتهي إلى حد تعذر التأثر، ومما يؤيد هذا المقام ما اشتمل عليه كثير من الأدعية المأثورة من أهل بيت النبوة صلوات الله عليه من الاستعاذة بالله من ذنب لا يوفق صاحبه للتوبة بعده أبدا، ثم أقول: إن هنا دقيقة اخرى هي أنه يستفاد من قوله (وهديناه