المعصية، ثم التعذيب عليها - كما زعمت الجبرية - قبيح والله سبحانه منزه عن القبائح، وقالت الجبرية: لو كان خلق المعصية التي هي من الأعراض قبيحا لكان خلق بعض الجواهر والذوات مثل الخنزير والعقرب والحية أيضا قبيحا، ولما جاز هذا بالاتفاق فكذا ذاك وإلا فما الفرق؟ وأجاب العدلية عنه بأن المراد بالمعاصي والشرور والقبائح التي لا يفعلها الله تعالى ما يكون مفاسده في نظام الوجود أكثر من مصالحه عند العقل وما هو محل النزاع من القبائح والمفاسد الصادرة من العباد كالزناء واللواط والسرقة وسفك الدماء ونحوها مما لا يجد العقل السليم فيها فائدة ونفعا في حفظ النظام، ولو كانت فيها مصلحة فهي أقل من مفاسدها بكثير بخلاف ما يستقبحه العقل في بادىء النظر من أفعاله تعالى فإنه إذا تأمل فيها العاقل ربما اطلع على ما فيها من حكم ومصالح لا يحصى فيعود الاستقباح في نظره استحسانا كما في قصة موسى مع الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام (ولا أراد - إرادة حتم - الكفر من أحد) حتى يكون مجبورا على الكفر غير مستحق للتعذيب وهذه الإرادة هي التي يسميها أهل العدل إرادة قسر وإرادة إلجاء، ولما فهم من نفي القيد أنه أراد الكفر استدرك وبين كيفية تلك الإرادة بقوله (ولكن حين كفر كان في إرادة الله أن يكفر) لما أراد إيمانه على التخيير دون القسر والإلجاء مع إقداره عليه وعلى الكفر صارت تلك الإرادة ظرفا لكفره مجازا إذ لو تحقق - القسر لم يتحقق الكفر، ويحتمل أن يراد بالإرادة: العلم، قال شارح كشف الحق (رحمه الله): إرادته تعالى للأفعال علمه بها وبما فيها مع المصالح (وهم في إرادة الله وفي علمه أن لا يصيروا إلى شيء من الخير) ولا يلزم منه الجبر، لأن علمه تعالى بما يفعل العبد باختياره لا يوجب الجبر وإنما يوجبه لو كان العلم علة للمعلوم وليس كذلك.
(قلت: أراد منهم أن يكفروا؟ قال: ليس هكذا أقول) لما لم يفهم السائل مراده (عليه السلام) سأله بهذه العبارة وإنما نفاها (عليه السلام) لأنها تفيد ظاهرا أن كفرهم مراد له تعالى بالذات كالإيمان، وليس كذلك لأنه لا يريد المعاصي كما يريد الخيرات (ولكني أقول: علم) في الأزل (أنهم سيكفرون، فأراد الكفر لعلمه فيهم) لعل المقصود أن كفرهم لما كان واقعا في نفس الأمر باختيارهم وكان علمه تعالى متعلقا به في الأزل وأراد أن يكون علمه مطابقا للمعلوم أراد الكفر بالعرض من جهة أن إرادة هذه المطابقة يستلزم إرادة طرفها الذي هو المعلوم، أعني الكفر إذ بدونه لا يتحقق ولا ينافي إرادته من هذه الجهة كراهة صدوره منهم أبدا، وبذلك يظهر الفرق بين إرادة الخيرات وإرادة الشرور، فإنه تعالى يريد صدور الخيرات منهم أبدا سواء علم وقوعها أو علم عدم وقوعها ولا يريد صدور الشرور منهم أبدا، فإن صدرت منهم يتعلق بها الإرادة من حيث أنها طرف للنسبة العلمية المطابقة للواقع لا من حيث الصدور منهم (وليست إرادة حتم) لأن هذه الإرادة تابعة للعلم بوقوعه وليس