لقدرتهم من غير أن يكون لقدرتهم تأثير فيها وقالوا: إن الثواب والعقاب باعتبار الكسب وهو كونهم محلا لتلك القدرة الغير المؤثرة (فإذا لم يفعلوه في ملكه) ولم يوجدوه في وقته بكف النفس عنه اختيارا (لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلا لم يفعلوه) لما عرفت أن الاستطاعة لا تتعلق على فعل ما مضى فعله أو تركه (لأن الله تعالى أعز من أن يضاده في ملكه أحد) علة لقوله «لم يفوض إليهم» لما عرفت من أن التفويض يوجب القول بانتفاء إرادته وإذنه بطلان أمره ونهيه فأهل التفويض يضادون الله تعالى في ملكه وسلطنته، وقد دل كلامه (عليه السلام) على ثلاثة أمور: الأول:
نفي الاستطاعة قبل الفعل وبعده.
الثاني: نفي التفويض، والثالث: ثبوت الاستطاعة وقت الفعل، ولما غفل البصري عن الأخير المتوسط بين الجبر والتفويض، وتوهم من الأولين نفي القدرة المقتضي لثبوت الجبر (قال البصري:
فالناس مجبورون) لابد من تقدير «قلت» أي قلت: فالناس مجبورون ليست لهم قدرة على الفعل والترك ليصح الارتباط ورواية ابن يزيد عنه (قال: لو كانوا مجبورين كانوا معذورين) بالضرورة واللازم باطل لاستحقاقهم العذاب كما يدل عليه كثير من الآيات والروايات والمعذور لا يستحق العذاب ولما نفى الجبر وتوهم البصري ثبوت التفويض لخفاء الواسطة عليه (قال: ففوض إليهم؟) حتى يكونوا مستطيعين قادرين كاملين غير محصورين ولا محتاجين إلى إذنه تعالى (قال: لا) نفي التفويض ولم يذكر دليله اكتفاء بما مر من قوله «لأن الله تعالى أعز من أن يضاده في ملكه أحد (قال) إذا انتفى عنهم الجبر والتفويض (فما هم) وعلى أي حال (قال: علم منهم فعلا) من الخير والشر (فجعل فيهم آلة الفعل) في وقته وهي إقدارهم وتمكنهم عليه وليس تصرفهم فيه على وجه المغالبة والمقاهرة عليه تعالى، بل لأن التكليف ينافيه الجبر والتفويض فخلى بينه وبينهم (فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين) ومع إعطاه الاستطاعة عند كل فعل فعل لا قبله ولا بعده ينتفي الجبر والتفويض، أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن المفوضة يقولون ليس له تعالى إرادة وإذن وتصرف في أفعالهم، فإذا ثبت هذا النحو من التصرف والإذن بطل التفويض (قال البصري: أشهد أنه الحق) دون الجبر والتفويض الواقعين في طرف الإفراط والتفريط (وأنكم أهل بيت النبوة والرسالة) ولا يعلم ما في هذا البيت من الحقائق الإلهية والأسرار الربانية إلا أنتم.
* الأصل:
3 - «محمد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن علي بن الحكم، عن صالح النيلي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): هل للعباد من الاستطاعة شيء؟ قال: فقال لي: إذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة