أولى بالإرادة لضرورة أن الاستطاعة المطلقة التي هي التمكن من الفعل بوجود الآلة مقدمة على الفعل، ومما يوجب حمله على هذا الاحتمال ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما كلف الله العباد بفعل ولا نهاهم عن شيء حتى جعل لهم استطاعة ثم أمرهم ونهاهم فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلا باستطاعة متقدمة قبل الأمر والنهي وقبل الأخذ والترك وقبل القبض والبسط» وعن عوف بن عبد الله عن عمه قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) من الاستطاعة فقال: وقد فعلوا؟ فقلت: نعم زعموا أنها لا تكون إلا عند الفعل واردة حال الفعل لا قبله فقال: أشرك القوم (ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا) بالاستطاعة التامة، وأما ما تحقق قبلهما من مادة هذه الاستطاعة التي هي أيضا من أفراد الاستطاعة المطلقة فهو بالقياس إلى الاستطاعة كأنه ليس باستطاعة.
(قلت: فعلى ماذا يعذبه؟) لما علم أن الاستطاعة مقارنة للفعل وأن المراد بها الاستطاعة التامة المؤثرة وتوهم أنها من فعل الله تعالى سأل عن سبب تعذيبه للعبد مع أن الفعل ليس بمقدور له (قال: بالحجة البالغة) وهي إرسال الرسل وإنزال الكتب ووضع الشرائع (والآلة التي ركب فيهم) التي هي مادة تلك الاستطاعة (1) والمقصود نفي ما توهمه السائل وبيان أن هذه الاستطاعة بتمامها ليست من فعله تعالى وإنما مادتها وهي الآلة من فعله تعالى، والبواقي من الامور التي لها مدخل في التأثير من فعل العبد، فيعذبهم بسبب صرفهم تلك الآلة في غير ما خلقت لأجله مع التبليغ والإنذار، ثم أكد إبطال ذلك التوهم بقوله (إن الله لم يجبر أحدا على معصيته) لأن الجبر على