يكون أفعالهم بقدرتهم ولا يكون لهم زاجر أصلا (ولكن أمر بين أمرين، قال: قلت: وما أمر بين أمرين؟
قال: مثل ذلك رجل رأيته على معصيته فنهيته) عنها (فلم ينته فتركته) بحاله وما زجرته عنها جبرا وقهرا (ففعل تلك المعصية) بقدرته واختياره (فليس حيث لم يقبل منك فتركته) مع قدرتك (1) على زجره عنها جبرا (كنت أنت الذي أمرته بالمعصية) أي جبرته عليها، أطلق الأمر على الجبر مجازا فكما أنك لما منعته منها بالزواجر والنصائح ما فوضت الأمر إليه ولما رأيته أنه يفعلها فتركته وما منعته منعا يوجب تركه ما أجبرته عليها، كذلك صنع الله بالنسبة إلى أفعال العباد فهذا أمر بين أمرين، ولعل التفسير المنقول سابقا عن الصدوق وصاحب العدة راجع إلى هذا، وقال الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام): «حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبي عن أحمد بن علي الأنصاري، عن زيد بن عمير ابن معاوية الشامي قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو فقلت، يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» ما معناه: قال: من زعم أن الله تعالى يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر; ومن زعم أن الله تعالى فوض أفعال الخلق والرزق إلى حججه (عليهم السلام) فقد قال بالتفويض; القائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك; فقلت: يا ابن رسول الله فما أمر بين أمرين فقال: وجود السبيل إلى إتيان ما امروا به وترك ما نهوا عنه - الحديث».
وقال الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج (2) ومما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض أن قال: «الجبر والتفويض، يقول الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عنما سئل عن ذلك فقال: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين، قيل: فماذا يا ابن رسول الله؟
فقال: صحة العقل، وتخلية السرب، والمهلة في الوقت والزاد قبل الراحلة، والسبب المهيج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل منه مطرحا بحسبه.
وأنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة وهي الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث من شرحه ويشهد به القرآن محكم آياته وتحقق تصديقه