شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٣٥
إرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما آتاه فإذا هو خلاف ما أمره فقال العبد أتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لأن المفوض إليه غير محصور عليه لا ستحالة اجتماع التفويض والتحصير.
ثم قال (عليه السلام): فمن زعم أن الله فوض قبول أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر، وأبطل أمر الله ونهيه ثم قال: إن الله خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر والنهي، وقبل منهم أتباع أمره، ورضي بذلك لهم، وتعبدهم به من الأمر والنهي وقبل منهم أتباع أمره، ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الأمر والنهي يختار ما يريد ويأمر به. وينهى عما يكره ويثبت ويعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لأنه العدل ومنه النصفة والحكومة، بالغ الحجة بالإعذار والإنذار، وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله) وبعثه بالرسالة إلى خلقه، ولو فوض اختيار اموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت ومسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله) لما قالوا (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) يعنونهما بذلك، فهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض بذلك أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سأله عباية بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية بن ربعي، فقال له: قل يا عباية قال:
ما أقول؟ قال: إن قلت: تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت تملكها من دون الله قتلتك، قال: وما أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن ملككها كان ذلك من عطائه، وإن سلبكها كان ذلك من بلائه، وهو المالك لما ملكك والمالك لما عليه أقدرك أما سمعت الناس يسألون القوة حيث يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال الرجل: وما تأويلها يا أمير المؤمنين قال: لا حول بنا عن معاصي الله إلا بعصمة الله (1) ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله، فوثب الرجل وقبل يديه ورجليه - الحديث».
وقال الفاضل الأمين الأسترآبادي: معنى الأمر بين أمرين أنهم ليسوا بحيث ما شاؤوا صنعوا بل فعلهم معلق على إرادة حادثة متعلقة (2) بالتخلية أو بالصرف، وفي كثير من الأحاديث أن تأثير

1 - قوله «لا حول لنا عن المعاصي إلا بعصمة الله» هذا يدل على أن الاعتراف بالتكاليف فقط لا يكفي في الأمر بين الأمرين بل لابد من الألطاف والتوفيق كما مر. (ش) 2 - قوله «بل فعلهم معلق على إرادة حادثة» غير واضح المقصود وتمسكه بما ورد من الأحاديث في السحر أيضا غير مرتبط بما نحن فيه ولا نعرف معنى الإذن الجديد والإذن القديم والإذن القديم يكفي في كل شيء ولو كان ما ذكره حقا وصحيحا لما ثبت للقاتل جرم ولا على الجارح تبعة وقصاص، فإن ازهاق الروح عن المقتول بإذن الله تعالى ومباشرة ملك الموت والملائكة الموكلين وسراية الجراحة إلى النفس بأمر الله تعالى وليس نفس الادماء واستعمال آلات القتل إذا لم يكن مقارنا لإزهاق الروح مستلزما للقصاص، فما فعله القاتل لا يوجب قصاصا وما يوجب القصاص من فعل الله سبحانه، والساحر أيضا لم يفعل شيئا يضر بالمسحور في عقله وبدنه بل الله تعالى فعله ولا فرق بين ما ذكره الأمين وما يعتقده الأشاعرة في الكسب، والحل أن الله تعالى أجرت الأمور مترتبة على أسبابها وأراد ذلك وقدره ويؤاخذ الناس على الأسباب وان كان المسببات بإرادته. والله أعلم بحقائق الأمور، وما أشبه كلامه هذا بما يقال: أن النتائج تترتب على المقدمات لا بأمر الله تعالى، لأن النتيجة قد تكون باطلة أو كفرا ولا تكون من قبل الله تعالى وينكر بذلك استفادة العقول الجزئية من العقل المجرد. (ش)
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست