شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٢٤٣
قوله (ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه) (1) أي لا ينال ما عند الله من الفضل والكرامة والثواب والجزاء إلا بجهة طرقه وأبوابه المقررة لنيله ومن الطرق والأبواب الإمام (صلى الله عليه وآله) وطريق نوره، والأحكام الشرعية فمن أراد التقرب منه سبحانه والعلوم الحقيقية والأحكام الالهية فليرجع إليه، ومن رجع إلى غيره ضل عن الطريق، وبعد عن الحق، وبطل عمله، كما أشار إليه بقوله «ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته».
قوله (من ملتبسات الدجى) التباس الامور: اختلاطها على وجه يعسر الفرق بينها، والدجية:
الظلمة الشديدة، يقال: دجا الليل إذا تمت ظلمته حتى ألبس كل شيء، أي الإمام عالم بالامور الملتبسة المختلطة التي ألبستها الظلمة وأحاطت بها ويفرق بين صحيحها وسقيمها، وجيدها ورديها، وحقها وباطلها من أعمال العباد وغيرها.
قوله (ومعميات السنن) السنن: الطريقة النبوية والشريعة الالهية، ومعمياتها: مخفياتها وأسرارها التي لا يعلمها أحد إلا بتعليم نبوي وإلهام رباني يقال: عميت معنى البيت تعمية: أي أخفيته ومنه المعمى في الشعر.
قوله (ومشبهات الفتن) الفتنة: الاختبار والاضلال و القتال والإزالة والصرف عن الحق ومشبهاتها الأمور الباطلة التي شبهتها بالحق وصورتها بصورته وجعلها مشكلة في نظر ذوي البصائر بحيث لا يعلم بطلانها وطريق التخلص منها إلا العالم الماهر النحرير. قوله (نصب لخلقه من عقبه

1 - قوله: «إلا بجهة أسبابه» وذلك لأن من يتوقف علمه على المقدمات المعروفة لا يحصل له شيء عند عدم حصولها والمحتاج إلى التعليم لا يعلم شيئا إلا بالتعلم والمتوقف على الفكر لا يحصل إلا بعد ترتيب مقدمات الفكر والناس لا يحصل في ذهنهم صورة الكلي إلا بعد ممارسة الجزئيات وتجريد الأشخاص عما يزيد على ماهياتها ولا يتعقلون إلا بعد كمال الحس و التجربة ولا يعرفون اللون والطعم والرائحة والصوت وغيرها إلا بالحواس ولا يعرفون ما بعد عن حواسهم إلا بالنقل المتواتر ولا ما خفي عن الحس من خواص الأشياء إلا بالتجربة، ويمتاز أهل الذكاء عن غيرهم بقوة الحدس فيستيقنون بأمور لا يحصل لغيرهم منها وأما الأئمة (عليهم السلام) فهم مؤيدون بالقوة القدسية فلا يحتاجون إلى تلك المقدمات أصلا إلا تقوية المرتبة الأخيرة وهي العقل بالفعل محضا، وسبب علمهم ارتباطهم مع الله تعالى وإفاضة نور علمه على قلوبهم وإلا فكيف أمكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) لولا أنه امتاز بذلك السبب أن يأتي بأدق مسائل التوحيد والفلسفة والبراهين المتقنة والأدلة المحكمة عليها ومن أنصف من نفسه عرف أن هذا أشق وأعجز من شق القمر ورد الشمس وسائر المعجزات الكونية. (ش)
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست