شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ١٥٨
يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فينبغي له أن يطلب الرسل، فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة، وأن لهم الطاعة المفترضة، فقلت للناس: أليس تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى (صلى الله عليه وآله) من كان الحجة؟
قالوا: القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقا، فقلت لهم: من قيم القرآن؟ قالوا: ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم، قلت: كله؟
قالوا لا، فلم أجد أحدا يقال: إنه يعلم القرآن كله إلا عليا صلوات الله عليه وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري وقال هذا: لا أدري وقال هذا لا أدري، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أن عليا (عليه السلام) كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن ما قال في القرآن فهو حق فقال رحمك الله، فقلت: إن عليا (عليه السلام) لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن الحجة بعد علي الحسن بن علي; وأشهد على الحسن أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه وجده وأن الحجة بعد الحسن الحسين وكانت طاعته مفترضة، فقال:
رحمك الله، فقبلت رأسه وقلت: وأشهد على الحسين أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده علي بن الحسين وكانت طاعته مفترضة فقال: رحمك الله وقلت: وأشهد على علي بن الحسين أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده محمد بن علي أبا جعفر وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، قلت: أعطني رأسك حتى اقبله، فضحك، قلت: أصلحك الله قد علمت أن أباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه، واشهد بالله أنك أنت الحجة وأن طاعتك مفترضة، فقال: كف رحمك الله، قلت: أعطني رأسك اقبله فقبلت رأسه فضحك وقال: سلني عما شئت، فلا انكرك بعد اليوم أبدا.
* الشرح:
قوله: (إن الله أجل) قد ذكر هذا الحديث بهذا السند إلى قوله «فقلت إن عليا (عليه السلام) لم يذهب حتى ترك حجة من بعده» في باب الاضطرار إلى الحجة وإنما أعاده هنا لبقية دلت على فرض طاعة الإمام ونحن ذكرنا شرحه ثمة ولكن لا بأس أن نشير هنا إلى ما يناسب بعض السوابق (1). فنقول: إن

1 - قوله: «لا بأس أن نشير هنا إلى ما يناسب بعض السوابق» هو مأخوذ من صدر المتألهين عليه الرحمة في شرح الحديث السادس من باب الرد إلى الكتاب والسنة من كتاب فضل العلم نقله الشارح كما هو دأبه بتغيير يسير ونحن نورد كلام الصدر (قدس سره) ونضيف إليه شيئا للتوضيح بين الهلالين وهو نعم الكلام جامع لأكثر الأصول الحكمية قال الصدر: إن الأشياء الكلية والجزئية هي كلها مسببة عن السبب الأول جل اسمه الذي يتسبب منه كل موجود ممكن ويتشعب منه كل عين وأثر وينتشر منه كل علم وخبر وكل ما عرف سببه من حيث ما يقتضيه ويوجبه فلابد وأن يعرف ذلك الشيء علما ضروريا دائما (من قوله وكل ما عرف سببه محذوف من كلام الشارح ومعناه أن من عرف العلة من حيث هي علة لزمه المعرفة بالمعلول) ما من شيء إلا وينتهي في سلسلة الحاجات إليه تعالى (فالواجب تعالى عالم بكل شيء سواء كان كليا أو جزئيا ولا يصح قول من زعم أنه تعالى ليس عالما بالجزئيات وأيضا هو عالم بكل جوهر وعرض وبكل ما في أذهان الناس ويختلج في ضمائرهم لأن كل علم وخبر ينتشر منه وهو علة لخواطر الضمائر) وإلى الأوائل الصادرة عنه (أي العقول فهي أيضا عالمة بكل شيء) وإذا رتبت الأسباب والمسببات انتهت أوائلها إلى مسبب الأسباب (فالعقول محتاجة إلى الواجب تعالى ولا تستقل بالتأثير بل هي وسائط كالنار للحرارة والشمس للضوء) وانتهت أواخرها إلى الجزئيات الشخصية فكل كلي وجزئي ظاهر عن ظاهريته الأولى (بدله الشارح بقوله صادر عن الأول جل اسمه) وقد تحقق في العلوم الحقيقية بالبرهان اليقيني أن العلم بسبب الشيء يوجب العلم به فمن عرف ذاته تعالى بأوصافه الكماليه ونعوته الجلالية وعرف الأوائل والغايات من العقول القادسة (هي أوائل باعتبار وغايات باعتبار) ومنها الثواني والمدبرات النفسانية (الثواني هي المدبرات والعطف للتفسير) والمحركات السماوية (وهي النفوس السماوية أو الملائكة المحركة للسماوات) للأشواق الإلهية والأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة والنسك المستمرة من غير فتور ولغوب وأعياء في الدؤب (حذف الشارح قوله أعياء في الدؤب) الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات (بدله الشارح بقوله: والأجرام العلوية المؤثرة في العالم السفلي بأمر الخالق وكلام الصدر أحسن إذ نسب التأثير إلى النفوس المحركة ونسب الشارح إلى الجرم العلوي) فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها علما برئيا عن التغير والشك والغلط فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة عليها وهذه طريقة الصديقين في معرفة الأشياء المشار إليها في قوله تعالى (أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) فإنهم عرفوا الله أولا وعرفوا صفاته ومن صفاته أوائل أفعاله (وهي العقول) ومن الأوائل الثواني (وهي النفوس) وهكذا حتى علموا الكليات ومن الكليات الجزئيات ومن البسائط المركبات فعلموا حقيقة الإنسان وأحوال النفس الإنسانية وما يزكيها ويكملها ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس والربوبية ومنزل الأبرار والمقربين وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل سافلين ومنزل الفجار والشياطين علما ثابتا غير قابل للتغير ولا محتملا لتطرق الريب فهذه حال علوم الأنبياء والأولياء ومن يسلك منهاجهم كما في قوله تعالى (قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (من قوله من يسلك منهاجهم محذوف في نقل الشارح) وكل علم لم يحصل على هذا السبيل بل حصل من تقليد أسماع أو ظن أو قياس فليس من الحق في شيء أن الظن لا يغني من الحق شيئا.
انتهى. وهو حاو لأصول قواعد الحكماء ونقل الشارح كلامه غير ناسب له إلى قائله كما فعل كثيرا وإن لم ننبه عليه في مواضعه يدل على اعترافه بجميعها مع إنكاره على جمود بعض اتباع المشائين كما مر في تضاعيف الكتاب. (ش)
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين 3
2 باب الاستطاعة 38
3 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة 47
4 باب اختلاف الحجة على عباده 57
5 باب حجج الله على خلقه 60
6 باب الهداية أنها من الله عز وجل 68
7 باب الاضطرار إلى الحجة 75
8 باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)) 108
9 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث 115
10 باب ان الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بامام 121
11 باب أن الأرض لا تخلو من حجة 122
12 باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة 128
13 باب معرفة الإمام والرد اليه 130
14 باب فرض طاعة الأئمة 150
15 باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه 162
16 باب ان الأئمة عليهم السلام هم الهداة 167
17 باب ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله وخزنة علمه 169
18 باب أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه 174
19 وأبوابه التي منها يؤتى 174
20 باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل 177
21 باب ان الأئمة هم أركان الأرض 183
22 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته 193
23 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهو الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عز وجل 252
24 باب أن الأئمة (عليهم السلام) هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه 260
25 باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 262
26 باب ما فرض الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) من الكون مع الأئمة (عليهم السلام) 263
27 باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام) 270
28 باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (عليهم السلام) 275
29 باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة (عليهم السلام)) 277
30 باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم 280
31 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 281
32 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار 283
33 باب [أن القرآن يهدي للإمام] 286
34 باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة (عليهم السلام) 287
35 باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) والسبيل فيهم مقيم 288
36 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) 291
37 باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي (عليه السلام) 293
38 باب ان الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة 295
39 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم 298
40 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم 301
41 باب أن الأئمة (عليهم السلام) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها 309
42 باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة (عليهم السلام) وانهم يعلمون علمه كله 312
43 باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام) من اسم الله الأعظم 317
44 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء (عليهم السلام) 320
45 باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله عليه وآله ومتاعه 323
46 باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل 333
47 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام 334
48 باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها 344
49 فهرس الآيات 354