النفسانية فدائما يحصل فيه أثر من الخارج أو من الداخل فدائما ينتقل من حال إلى حال فثبت أنه دائما محل للحوادث الإدراكية وموضوع للأحوال النفسانية، وهذه الحوادث والأحوال التي هي المسماة بالعلوم والخواطر لأنها تخطر في القلب بعد أن كان غافلا عنها محركات للإرادات والأشواق وأسباب لها وهي محركات للقوة والقدرة وهي محركات للجوارح والأعضاء وبسببها تظهر الأفاعيل في الخارج، وبتلك الأفاعيل يستحق المدح والذم والثواب والعقاب.
فبمدأ الفعل البشري هو الخاطر والخاطر يحرك الرغبة والشوق، وهي تحرك العزم والنية; وهي تبعث القدرة; والقدرة تحرك العضو فيصدر الفعل من هذه المبادئ المترتبة المتسببة، كل ذلك بإذن الله تعالى ومشيته; وهكذا جرت المشية الإلهية في أفعال العباد ومن أنكر هذه الوسائط وعزل الأسباب عن فعلها فقد أساء الأدب (1) مع الله الذي هو مسبب الأسباب حيث رفع ما وضع الله سبحانه وعزل ما نصبه; ثم لما كانت تلك الخواطر والأحوالات قد يكون خيرا وقد يكون شرا أو كانت الرغبة والعزم قد يتعلقان بما ينبغي أن يكون وقد يتعلقان بما لا ينبغي أن يكون وكانت القدرة تعلقها بالصحيح والفاسد على السواء وكانت الأفعال الصادرة عن الجوارح قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة; وكان الحسن والقبح في الأكثر مخفيين اقتضت الحكمة الإلهية واللطيفة الربانية نصب الرسول والأوصياء لهداية العباد إلى سبيل الرشاد ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ومنه يظهر سر قوله عز شأنه (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا).
قوله: (فجعل لكل شيء سببا) مثلا جعل لاستحقاق القرب والثواب منه تعالى سببا هي الطاعات والعبادات وجعل لهذا السبب شرحا (2) هي الحدود والكيفيات والشروط، وجعل لهذا الشرح علما وجعل لهذا العلم بابا ناطقا ينطق به، عرف ذلك الشرح والعلم من عرف ذلك الباب