بما يجب الإقرار به، والإقرار ثمرة التصديق بالله وبرسوله وأولي الأمر، والتصديق ثمرة اليقين بالله وبرسوله وبما جاء به الرسول، واليقين ثمرة التسليم، فالعمل الصالح ثمرة التسليم كما في خبر الكتاب إلا أن طريق البيان مختلفة، ويحتمل أن يجعل خبر النهج حقا في التصديق ومبالغة في مدحه ومدح المتصف به، وذلك بأن يجعل التصديق بالله وبرسوله وبالأئمة الطاهرين أصلا رفيعا عاليا يتوجه إليه الطرفان، فالعمل الصالح ثمرة الأداء والأداء ثمرة الإقرار والإقرار ثمرة التصديق، والإسلام يعني دين الحق ثمرة التسليم، والتسليم ثمرة اليقين، واليقين ثمرة التصديق، وإنما قال:
هذا ذاك مع أنهما متغايران لشدة الاتصال بينهما فليتأمل.
قوله: (لا يصلح أولها إلا بآخرها) يعني لابد من التسليم للجميع ولا ينفع تسليم الواحد والاثنين والثلاثة وإنما اقتصر بالثلاثة لأنه إذا ضل صاحبها ضل غيره بالطريق الأولى.
قوله: (تاهوا تيها بعيدا) تاه في الأرض: ذهب متحيرا، شبه تحيرهم في الدين بتحير مسافر ضل الطريق لا يهتدي لها، ووصفه بالبعد مبالغة لوغولهم في الضلالة وبعدهم عن الحق.
قوله: (إن الله تبارك تعالى لا يقبل إلا العمل الصالح) وهو المشتمل على جميع الامور المعتبرة في تحقيقه شرعا سواء كانت داخلة في حقيقته أو خارجة عنها، ومن جملة ذلك التسليم للأبواب الأربعة وهو شرط الله تعالى وعهده وميثاقه على عباده في صلاح العمل وقبوله ووعده بالأجر، وظاهر أنه تعالى لا يقبل من العباد إلا الوفاء بالشرط والعهد وعدم غدره فيهما، فمن وفاه بشرطه وارتكب ما عينه في عهده ولم يغدر نال ما عنده من الثواب واستكمل وعده في الأجر واستحق القرب والكرامة وهو مثل أن يقول أحدنا: كل من دخل علي في هذا الباب فله كذا فكل من دخل فيه استحق ما وعده ومن دخل في غيره لا يستحقه بل يستحق اللوم لعدم الإذن فيه. وقد أخبر الله تعالى عباده بطريق الهدى وهو طرق الشرع الموصلة إلى مقام قربه وكرامته ووضع لهم في تلك الطرق الخفية أعلام الهداية وهي الحجج (عليهم السلام) وأخبرهم بكيفية السلوك باقتفاء آثارهم واتباع أقوالهم وأعمالهم فقال: (إني لغفار لمن تاب) عن الباطل ورجع إلي وإلى الحجة.
«وآمن» بي وبه وعمل صالحا يبينه لهم «ثم اهتدى» فعلم أنه لا تتحقق المغفرة والاهتداء بدون ذلك وقال أيضا: (إنما يتقبل الله من المتقين) وهم الذين يتمسكون بما جاء به الرسول ولا يتجاوزونه أصلا ويقومون على ما أمر الله تعالى به فعلم منه أنه تعالى لا يقبل عملا ممن خالف أمره ونهيه فمن أتقى الله فيما أمره به ولم يخالفه فيه، ومن جملة ما أمره به متابعة الحجة، لقى الله يوم القيامة مؤمنا بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله)، هيهات هيهات فات قوم في الضلالة وماتوا قبل أن يهتدوا إلى الله تعالى وإلى الحجة وظنوا أنهم آمنوا بربهم والحال أنهم أشركوا من حيث لا يعلمون حيث إنهم