اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله وهو الإقرار بما انزل من عند الله عز وجل، خذوا زينتكم عند كل مسجد والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار)، إن الله قد استخلص الرسل لأمره، ثم استخلصهم مصدقين بذلك في نذره، فقال: (وإن من امة إلا خلا فيها نذير) تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل.
إن الله عز وجل يقول: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم يتدبر؟ اتبعوا رسول الله وأهل بيته وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدى. فإنهم علامات الأمانة والتقى واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريم (عليه السلام) وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن، اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربكم.
* الشرح:
قوله: (إنكم لا تكونون صالحين - إلى قوله - أربعة) هذا دل صريحا على أن العمل الصالح متوقف على تسليم أبواب أربعة، ولعل المراد بها محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) بحيث لولا تسليم واحد منهم لم يكن العمل صالحا مزكيا وقوله: «لا تعرفوا ولا تصدقوا» يحتمل أن يكون خبرا مثل «لا تكونون صالحين» وحذف النون للتخفيف، قال المازري: هذه لغة معروفة، ويحتمل أن يكون نهيا، ولم يذكرا من حيث الوقف عليه، بل من حيث النهي عن الاقتصار عليه، فالمعنى لا تكونوا صالحين حتى تعرفوا، أي يحصل لكم أصل المعرفة «ولا تعرفوا» أي لا تقتصروا على أصل المعرفة «حتى تصدقوا» أي تضموا إليه التصديق، ولا تقتصروا على التصديق حتى تضموا إليه التسليم، ويحتمل أن يكون المراد بها الإيمان بالله والإيمان برسوله والإيمان بما أنزل إليه والإيمان باولي الأمر، وربما يشعر به آخر الحديث والمعنى حينئذ أن العمل الصالح لا يتحقق إلا بمعرفة هذه الأربعة ومعرفة هذه الأربعة لا يتحقق إلا بالتصديق والإقرار بها. والتصديق بها لا يتحقق إلا بالتسليم واليقين بها ويومي إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة «لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي: الإسلام: هو التسليم والتسليم: هو اليقين، واليقين: هو التصديق، والتصديق: هو الإقرار، والإقرار: هو الأداء، والأداء: هو العمل الصالح» وإنما قلنا يومي إليه لأن خبر الكتاب يفيد أن العمل الصالح ثمرة المعرفة، والمعرفة ثمرة التصديق، والتصديق ثمرة التسليم. فالعمل الصالح ثمرة التسليم، وخبر النهج يفيد أن العمل الصالح ثمرة أداء ما فرضه الله تعالى، والأداء ثمرة الإقرار