شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٨٧
هذه الآية وأمثالها أيضا أكثر العامة، قال عياض: لم يختلف المسلمون إلا شرذمة قليلون في تأويل ما يوهم أنه تعالى في مكان أو في جهة مثل قوله تعالى (أأمنتم من في السماء) وقوله تعالى:
(الرحمن على العرش استوى) فمنهم من أول في ب‍ «على» وجعل «على» للاستيلاء، ومنهم من توقف في التأويل وفوض أمره إلى الله، والوقف في التأويل غير شك بالوجود ولا جهل بالموجود، فلا يقدح بالتوحيد بل هو حقيقته والتمسك بالآية على التنزيه الكلي وهي قوله تعالى (ليس كمثله شيء) عصمة لمن وفقه الله تعالى للرشاد والهداية.
* الأصل:
7 - وبهذا الاسناد، عن سهر، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله سئل عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء.
* الشرح:
(بهذا الإسناد عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل عن قول الله عز وجل: الرحمن على العرش استوى، فقال: استوى من كل شيء (1) فليس أقرب إليه من

١ - قوله: «استوى من كل شيء» قال في الحديث السابق: «استولى على كل شيء»، وفي هذا الحديث: «استوى من كل شيء» وفي الحديث التالي «استوى في كل شيء» وكل هذه الثلاثة مشتركة في كلمة «كل شيء» والغرض عدم تخصيص استوائه بجسم خاص يسمى بالعرش بل كل نسبة له إلى العرش فهي ثابتة بالنسبة إلى جميع الأشياء، وأما الفرق بين «في» و «على» و «من» فغير مقصود بالبيان، ولعل الإمام (عليه السلام) أتى بأحدهما ونقل الرواة بثلاثة عبارات، وليس غرضه (عليه السلام) استفادة هذا المعنى من لفظ الاستواء أو من لفظ العرش بل بيان المراد للأدلة الكثيرة على عدم تحيزه في مكان، وأما الاستواء فقيل جاء هذه الكلمة بمعنى الركوب، قال تعالى:
(لتستووا على ظهوره) وقال: (إذا استويت أنت ومن معك على الفلك) وقال تعالى: (واستوت على الجودي) وجاء بمعنى الاعتدال وتمام الخلقة قال تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى) وجاء بمعنى ضد الاعوجاج وكأنه هو المعنى الحقيقي الأصلي; قال الشاعر:
طال على رسم مهدد أبده * ثم عفا واستوى به بلده وساير اشتقاقات الكلمة يتضمن هذا المعنى كالسى والمساوى والتسوية والسوي وغير ذلك. وجاء «استوى» بمعنى القصد والإقبال، قال الجوهري: استوى إلى السماء أي قصد. قال الفراء: تقول: كان فلان مقبلا على فلانة ثم استوى على والى يشاتمني، وجاء بمعنى استولى; قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق يذكر بشر بن مروان أخا عبد الملك لما قتل مصعب وولي العراق لأخيه بشر، وقال النابغة:
ألا لمثلك أو من أنت سابقه * سبق الجواد إذا استولى على الأمد وظن بعضهم أن العرش بمعنى كل شيء ولذلك فسر الإمام (عليه السلام) «استوى» على العرش بقوله: استوى على كل شيء.
فإن أريد أنه المراد; لأن الاستيلاء على العرش يستلزم الاستيلاء على كل شيء غيره فله وجه، وإن أريد أنه المعنى المستعمل فيه اللفظ فهو غير صحيح ولا يدل كلام الإمام (عليه السلام) عليه، وبالجملة إذا كان الاستواء مستعملا في معان كثيرة ولو مجازا في بعضها لم يصح تمسك المجسمة به على غرضهم ونقول كما مر سابقا إنهم ماديون لا يعترفون بوجود شيء غير جسماني، ولا فرق بينهم وبين الملاحدة في ذلك أصلا، ويذهب ذهنهم من كل لفظ إلى المعنى الجسماني لا للتبادر اللغوي حتى يحتجوا به بل; لأن غير الجسم لم يدخل في ذهنهم قط حتى ينصرف إليه، ومثل هذا التبادر ليس بحجة مثل تبادر الذهن من كلمة الياقوت إلى الأحمر إذا لم ير السامع ياقوتا أصفر أو أبيض، والماديون إما ينكرون الواجب أصلا أو يقولون بجسميته وتحيزه وكذلك مذهبهم في الروح، فالملاحدة منهم ينكرون وجود شيء غير القوى الجسمانية مسمى بالروح، والمنتسبون للدين يجعلون الروح جسما مداخلا للبدن كالماء المتخلل في الورد ولازم قولهم أن لا يموت أحد إذا سد مسام بدنه، وفي الملائكة أيضا إما ينكرون وجودهم ويجعلونهم أجساما مادية وغير ذلك مما لا يحصى، وقد جاء في القرآن العظيم في مفتتح سورة البقرة اشتراط التقوى بالإيمان بالغيب; إذ بدونه يتحير عقول الناس في مسائل المعارف البتة، والإيمان بالغيب هو التصديق بوجود الشيء غير المحسوس. (ش)
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست