شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٨٥
(وبذلك وصف نفسه) كما قال (ليس كمثله شيء) وقال: (ولم يكن له كفوا أحد) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على التنزيه والمباينة على الإطلاق (وهو بكل شيء محيط بالإشراف) لا بمقدار لتعاليه عنه، والمراد بالإشراف الاطلاع عليه على وجه الاستعلاء من قولهم أشرفنا عليه إذا اطلعوا عليه من فوق (والإحاطة والقدرة) أي بإحاطة علمه وقدرته بجميع الأشياء.
(لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالإحاطة والعلم لا بالذات يعني أن عدم بعد شيء من الأشياء عنه باعتبار إحاطة علمه لا باعتبار حصول ذاته في مكان قريب من مكانه (لأن الأماكن محدودة (1) تحويها حدود أربعة، فإذا كان بالذات لزمها الحواية) ضمير التأنيث في لزمها للذات، وفي كتاب التوحيد للصدوق «لزمه» بتذكير الضمير، يعني إذا كان عدم بعد شيء عنه باعتبار حصول ذاته تعالى في مكان قريب منه لزم احتواء المكان عليه وكونه فيما يحيط به حدود أربعة كل حد مقابل لنظيره وأنه محال، فقد دل هذا الحديث على أن قوله تعالى (إلا هو رابعهم) ليس معناه أنه رابع الثلاثة بالعدد ومصيرها أربعة بضم الواحد العددي الذي هو هو إليها كما هو المعتبر في مرتبة الأعداد باعتبار التصيير; لتقدسه عن أن يكون واحدا عدديا مبدأ لمراتب الأعداد، معدودا من جملة آحاد العدد بل معناه أنه تعالى رابع كل ثلاثة بمعية العلم والإحاطة الواحدة بالنسبة إلى جميع الأشياء المغايرة للمعية الذاتية التي هي المعية المكانية والزمانية.
(في قوله الرحمن على العرش استوى) (2)

١ - قوله: «لأن الأماكن محدودة» ذكرنا أدلة تناهى الأبعاد في المجلد الثالث ص ٢٣٩.
٢ - قوله في قوله (الرحمن على العرش استوى) الآية من أقوى شبه المجسمة وقد ورد في سبع سور على ما قال الرازي في تفسيره: الأعراف. يونس. الرعد. طه. الفرقان. السجدة. الحديد. قال: وقد ذكرنا في كل موضع فوائد كثيرة، فمن ضم تلك الفوائد بعضها إلى بعض كثرت وبلغت مبلغا كثيرا وافيا بإزالة شبه التشبيه عن القلب والخاطر.
أقول: وقد نقل أكثرها صدر المتألهين في شرحه مهذبة من الجدليات ومبينة محكمة على ما هو دأبه وزاد عليها أمورا: ولا ريب أن أهل الإسلام يتأبون عن التجسيم إلا أن بعضهم كالحنابلة والكرامية يتبرأون عن اسم الجسم ويثبتون معناه مع جميع لوازمه، وحاصل كلام أكثرهم في تأويل هذه الآية أن (استوى) ليس بمعنى الاستقرار في المكان بل هو بمعنى الاستيلاء، وقال بعضهم: هو كناية عن استقرار ملكه وقدرته على كل شيء، واستبعده صدر المتألهين ولم يرتضه لأنه حمل للآيات القرآنية ونظائرها المذكورة في الكتاب والسنة على مجرد التخيل والتمثيل من غير حقيقة دينية وأصل إيماني، ثم اختار أن الاستواء على كل شيء بمعنى معيته القيومية واضافته الإشراقية، وهي من لوازم العلية وليس بينه وبين تأويل غيره كالقفال كثير فرق، إلا أن صدر المتألهين أجرى كل كلمة على معنى حقيقي أو مجازي صحيح، والقفال تأول في الجملة نظير من يقول طويل النجاد وكثير الرماد من غير أن يكون لكل من النجاد والرماد والعرش والاستواء معنى مراد، وبهذا كان تأويل الصدر أحسن إذ بين بإزاء كل من الاستواء والعرش معنى، ويأتي إن شاء الله شرح ذلك. (ش)
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست