شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٨٤
لا ذهنا ولا خارجا فليست وحدته وحدة عددية (1) بأن يكون - تعالى شأنه - مبدأ كثرة عادا لها معدودا من جملتها، فيزيد العدد بإضافته تعالى وينقص بإسقاطه منه وإلا لكان داخلا في الكم المنفصل موصوفا بالعرض.
(باين من خلقه (2)) ليس بينه وبينهم مشابهة بوجه من الوجوه ولا مشاركة في أمر من الأمور

١ - قوله: «فليست وحدته وحدة عددية» هذا صحيح في الحقيقة ولعلنا نتكلم فيه في موضع أليق ولكنه غير مرتبط بهذا الموضع. (ش) ٢ - قوله: «بائن من خلقه» يعنى بينونة صفة لا بينونة عزلة فإن البائن بالعزلة لا يتعقل كونه عليه ولو كان شئ موجودا مستقلا بنفسه مبائنا لموجود آخر مستقل بنفسه لا يتصور كون أحدهما في وجوده محتاجا إلى الآخر، وإنما يتصور الاحتياج في شيء موجود غير مباين عن شيء كالعرض المحتاج إلى المحل، والنور المحتاج إلى جسم مضيء والمركب المحتاج إلى الأجزاء والصورة المحتاجة إلى المادة وبالعكس، ولا يتعقل كون جسم مستقل مباين عن جسم آخر متعلق الوجود به حدوثا وبقاء وكذا غير الجسم وإنما العلية نوع ارتباط ربما يطلق عليه الإضافة الإشراقية بين العلة والمعلول حتى يلزم من عدم العلة عدم المعلول ولذلك تكرر في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه تعالى داخل في كل شيء لا كدخول شئ في شيء وخارج عنه لا كخروج شيء عن شيء.
وهذا يجب أن لا يكون على وجه يلزم منه الاتحاد والحلول في الممكنات أو معها حتى يتكثر، لأن الوجود الصرف غير المتناهى في الشدة والعدة والمدة لا يعقل أن يحل في موجود له مهية محدودة فليس وحدته تعالى وحدة عددية إذ يلزم منها كونه تعالى مبائنا عن الموجودات وفي عرضها فتكون هذه غير محتاجة إليه تعالى حدوثا وبقاء، والنفس الناطقة بالنسبة إلى قواها المختلفة كذلك فإن الباصرة والسامعة والشامة والمحركة وغيرها متعلقة الوجود بالنفس ولا ينبغي أن تعد النفس من القوى وفي عرضها بل هي كالعلة لقواها وحاضرة معها ومشرفة عليها، ومع كونها في كل قوة لا يجوز أن يقال: حلت في الباصرة على طريق المحدودية، وهذا سر عظيم يجب أن يتدبر فيه حتى يتعقل وحدة النفس والفرق بين الوحدة العددية وغيرها.
فإن قيل لا يبتني الدين على هذه التدقيقات ولو كان الواجب على الناس ذلك كان تكليفا بما لا يطاق.
قلنا: لم ندع كون العلم بها والتدقيق فيها واجبا على كل مكلف ولكن ورد في كلام أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) أمور لا ينال مغزاها إلا بالتدقيق والتدبر فعلمنا أن في التوحيد وسائر مسائل المعارف أشياء خاصة بجماعة من الراسخين في العلم يتلذذون بمعرفتها ويدفعون شبهات المعاندين فيها وليعلم جهال الملاحدة أن التدين والإيمان ليس خاصا بالسذج وأن العقلاء غير متدينين كما قال شاعرهم:
اثنان في الدينا فذو عقل بلا * دين وآخر دين لا عقل له فض فوه. وأي رجل أعقل وأعلم من أمير المؤمنين (عليه السلام) ويدل على أن ليس جميع مسائل الدين لجميع الناس قول المفيد في النهي عن القدر أنه خاص بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم إلا الإمساك عنه وترك الخوض فيه، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين وقد يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون ويفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون إلى آخر ما قال. (ش)
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست