شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٩٤
على يديه (فويل لمن أجريته على يديه) هذا الحديث وما يتلوه دل بحسب الظاهر على الجبر كما هو مذهب الأشاعرة القائلين بأنه تعالى هو الخالق الموجد أفعال العباد كلها خيرها وشرها، وبطلانه لما كان معلوما عندنا بالعقل والنقل وجب التأويل فيه (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) ولكن لا بأس أن نشير إليه على سبيل الاحتمال والله أعلم بحقيقة الحال فنقول: لعل المراد بالخير والشر الجنة والنار وإجراؤهما عبارة عن الإعانة والتوفيق للمتوجه إلى الأول، وعن سلبهما عن المتوجه إلى الثاني. وهذا التأويل قد ذكره بعض شارحي نهج البلاغة حيث قال: وكأني بك تستعلم عن كيفية التوفيق بين ما روي في دعاء التوجه إلى الصلاة «الخير في يديك والشر ليس إليك» وما روي في الدعاء «اللهم أنت خالق الخير والشر» فوجه التوفيق أن المراد بالأول أن الأفعال التي فعلها الله تعالى وأمر بها حسنة كلها وليست القبايح من أفعاله تعالى ولا من أوامره، ومعنى الثاني أنه تعالى خالق الجنة والنار، انتهى. أو نقول: المراد بخلق الخير والشر تقديرهما والخلق كما جاء في اللغة بمعنى الإيجاد جاء أيضا بمعنى التقدير، والله سبحانه هو المقدر لجميع الأشياء والمبين لحدودها ونهاياتها حتى الخير والشر ومعنى إجرائهما ما عرفت، أو نقول: الخلق بمعنى الإيجاد مستلزم للإرادة والمشية والمراد هنا هو الإرادة على سبيل الكناية وقد صرح بعض علماء العربية بأن الكناية قد يتحقق في موضع يمتنع فيه إرادة الحقيقة.
فإن قلت: فهو تعالى على هذا التأويل يريد الشر من أفعال العباد كما يريد الخير وهذا ينافي الحق الثابت عندنا من أنه يريد الخير دون الشر.
قلت: لا منافاة أما أولا فلأن إرادة الشر بالعرض من حيث إنها تابعة لإرادة الخير وذلك لأنه إذا أراد الخير بدون حتم بمعنى أنه أراد صدوره عنهم باختيارهم ولم يجبرهم عليه فقد أراد الشر بالعرض فإرادته تابعة لإرادة الخير بالمعنى المذكور والحق الثابت أنه لا يريد الشر بالذات كما يريد الخير كذلك. وأما ثانيا فلأنه أراد الخير، صدر عنهم أو لم يصدر وأراد الشر لعلمه بصدوره عنهم على اختيارهم، فإرادة الشر تابعة للعلم بصدوره بخلاف إرادة الخير وسيأتي في ثالث باب الاستطاعة ما يدل عليه، والحق الثابت أنه لا يريد الشر بما هو شر، ولا ينافي ذلك إرادته من حيث علمه بصدوره عنهم، وسر ذلك أنه تعالى علم جميع الموجودات وأراد أن يكون علمه مطابقا للواقع فمن أجل ذلك كأنه أراد جميعها وإن كان بعضها مرادا له بالذات وبعضها مكروها له بالذات، ومنه يظهر سر (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) تأمل تعرف فإنه دقيق جدا (1) وحمل الحديث على التقية عن بعض

1 - قوله: «فتأمل تعرف فإنه دقيق جدا» وبينا ذلك في بعض الحواشي السابقة، وبالجملة: الشرور من لوازم كون الإنسان مختارا في أفعاله فهي صادرة من الإنسان مباشرة ومنسوبة إليه وإن نسب إلى الله باعتبار أنه تعالى علم أن الإنسان المختار قد يختار الشرور ومع ذلك خلقه مختارا ولم يمنعه عن المعاصي إجبارا فيصدق أنه تعالى خلق الشر لكن بالعرض على ما تبين. (ش)
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»
الفهرست