يقدر أحد على وقوع ما وقع ولا يمكن له إرادته; لأن القدرة والإرادة إنما يتعلقان بالشيء قبل وقوعه لا بعده بالاتفاق، ثم أشار إلى أن كلا من العلم والمشية والإرادة والتقدير متعلق بمتعلقه قبل وجود ذلك المتعلق في الأعيان على سبيل التفريع لكونه نتيجة للسابق ومعلوما منه بقوله:
(فالعلم بالمعلوم قبل كونه) في الخارج بمراتب; لأن كونه في الخارج بعد القضاء والعلم مقدم عليه بثلاث مراتب كما عرفت، وسر ذلك أن ذاته تعالى في الأزل علم بالموجودات في أوقاتها، وبعبارة أخرى: هو علم في الأزل بأنه سيوجدها في أوقاتها، فالعلم أزلي، والمعلوم حادث (والمشية في المنشأ (1) قبل عينه) أي قبل وجوده في الأعيان بمرتبتين أو قبل تعيين عينه وحقيقته (والإرادة في المراد قبل قيامه) في الزمان والمكان، والحاصل قبل وجوده في الأعيان لأن قيامه إنما هو بالإرادة المتعلقة بإيجاده في وقت معين وحدها أو لمرجح على اختلاف، وعلى التقديرين قيامه مسبوق بالإرادة (والتقدير لهذه المعلومات) المذكورة أعني المشيء والمراد أو المحسوسة والمشاهدة في هذا العلم (قبل تفصيلها وتوصيلها) أي تفصيل بعضها عن بعض وتوصيل بعضها ببعض; لأن التفصيل والتوصيل واقعان على وفق التقدير (عيانا ووقتا) نصبهما على الظرفية لكل من التفصيل والتوصيل. أما التفصيل العياني أي الخارجي فهو مثل جعل السماء مرفوعة والأرض موضوعة وجعل بعض الحيوان متحركا على رجلين وبعضه على أربع ووضع بعض الأجسام في مشرق وبعضها في المغرب ووضع بعض الأحوال في محل وبعضها في محل آخر إلى غير ذلك مما لا يحصى، وأما التوصيل العياني فهو مثل جعل هذا الجسم متصلا بآخر مماسا به مقاربا له في المكان وجعل هذه الاشخاص متساوية في الحقيقة ولوازمها ووضع هذه الأحوال في محل واحد وأمثال ذلك مما لا يعد كثرة، وأما التفصيل الوقتي فهو كجعل بعض الأشياء موجودا في هذا الزمان وبعضها في زمان سابق وبعضها في زمان لاحق، وأما التوصيل الوقتي فهو كجعل كثير من الأشياء متشاركة في الوجود في هذا الزمان وكثير منها متشاركة في الوجود في زمان آخر (والقضاء بالإمضاء) أي الحكم على تلك المعلومات بإمضائها ووجودها على وفق التقدير (هو المبرم) أي المحكم المتقن الواقع بلا دافع ولا مانع ولا خلل من جهة القضاء ولا من جهة الإمضاء ولا من جهة المقضى ولا من جهة انطباقه على النظام الأكمل