وبمشيئته كانت الإرادة وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء، والعلم متقدم على المشيئة، والمشيئة ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم في المعلوم قبل كونه، والمشيئة في المنشأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس.
فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يفعل ما يشاء فبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم.
* الشرح:
(الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد قال: سئل العالم (عليه السلام) كيف علم الله) هذا الحديث من الثنائيات فهو من أعلى الأسانيد العالية (1) ولعل السائل استفهم عن تقدم علمه على المعلومات أو عن كفاية علمه بها في وجودها، والجواب مشعر بتقدمه عليها بمراتب وعدم كفايته في وجودها بل بينه وبين وجودها وسائط (قال علم) أي علم في الأزل بأنه سيوجد الأشياء، وهذا العلم بعينه هو العلم بها بعد وجودها لما عرفت آنفا من أن العلم بالأشياء قبل وجودها وبعده واحد، وأن العلم نفس ذاته ولا معلوم سواه فلما أحدث المعلومات وقع العلم منه عليها (وشاء) ما يكون في وجوده مصلحة ويكون وجوده خيرا محضا أو خيرا غالبا (وأراد) إرادة عزم فهي آكد من المشية وأخص منها كما يجيء في رابع الجبر والقدر تفسير الإرادة بأنها هي العزيمة على ما يشاء وقد يعبر عنها بأنها هي الثبوت على ما يشاء يعني الجد فيه، وربما يفهم من كلام بعض العلماء أن المشية هي العلم بشيء مع ما يترجح به وجوده فهي حينئذ نوع من العلم مغايرة للإرادة (وقدر) أي قدر الأشياء أولها وآخرها وحدودها وذواتها وصفاتها وآجالها وأرزاقها إلى غير ذلك