شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٥٧
مما يعتبر في كمالها وتميزها وتشخصها (وقضى) أي حكم بوجود تلك الأشياء في الأعيان على وفق الحكمة والتقدير (وأمضى) أي أنفذ حكمه وأتمه فجاءت الأشياء كما أرادها وقدرها وقضاها مع أسبابها وشرايطها وتميزاتها وتشخصاتها في أماكنها ومساكنها طوعا وانقيادا لقدرته القاهرة كما قال سبحانه (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) فهذه ستة أمور لابد منها في خلق كل شخص من أشخاص الموجودات وإيجاد كل فرد من أفراد المخلوقات، وبين تلك الأمور ترتب وتسبب في لحاظ العقل، نظير ذلك أن الصانع منا لشيء لا بد من أن يتصور ذلك الشيء أولا وأن تتعلق مشيته وميله إلى صنعه ثانيا وأن يتأكد العزم عليه ثالثا وأن يقدر طوله وعرضه وحدوده وصفاته رابعا وأن يشتغل بصنعه وإيجاده خامسا وأن يمضي صنعه سادسا حتى يجيء على وفق ما قدره، إلا أن هذه الأمور في صنع الخلق لا تحصل إلا بحيلة وهمة وفكر وشوق ونحوها بخلاف صنع الحق فإنه لا يحتاج إلى شيء من ذلك كما مر (فأمضى ما قضى) أي فأبرم وأتم وأحكم ما حكم بوجوده (وقضى ما قدر وقدر ما أراد) أشار بهذا التفريع إلى أن وجود القضاء وتحققه دليل على وجود جميع الأمور المذكورة المعتبرة في لحاظ العقل لتحققه; لأن وجود المسبب دليل على وجود جميع أسبابه المتعاقبة، أو إلى أنه يمكن اعتبار تلك الأمور وملاحظتها تارة على سبيل التعاقب وتارة على سبيل الاجتماع وإنما لم يقل أيضا أراد ما شاء وشاء ما علم إما للاقتصار لظهور ذلك مما ذكر، أو لأنه لا تفاوت بين المشية والإرادة إلا بحسب الاعتبار، وتعلق المشية بكل ما علم غير صحيح لأنه تعالى عالم بالمفاسد والقبايح ولا يشاؤها، ولما كان المقصود مما ذكر هو بيان الترتب في الأمور المذكورة فرع عليه الترتب بقوله:
(فبعلمه كانت المشية) (1) إذ مشية الشيء متوقفة على العلم به وبجهات حسنه (وبمشيته كانت الإرادة) أي الإرادة المؤكدة بالعزم على المشية إذ العزم على الشيء فرع لحصول ذلك الشيء (وبإرادته كان التقدير) إذ تقدير الشيء يقع بعد إرادته كما أن الباني يقدر في نفسه طول البيت وعرضه وسائر ما يعتبر في خصوصياته بعد العزم على بنائه (وبتقديره كان القضاء) إذ خلق الشيء والحكم بوجوده يقع بعد تقديره بقدر معين ووزن معلوم ومقدار مخصوص فإن القضاء بمنزلة البناء والقدر بمنزلة الأساس ولا يتحقق البناء بلا أساس (وبقضائه كان الإمضاء) إذ الإمضاء هو إتمام القضاء

1 - قوله: «فبعلمه كانت المشية» ليس المراد التأخر الزماني بمعنى أن يكون العلم قبل المشية قبلية بالزمان وهكذا ما بعده بل إن أمكن فرض وجود زمان حين وجود علم الباري تعالى علمه ومشيته وإرادته وتقديره وقضاؤه وإمضاؤه في زمان واحد، والباء في بعلمه وبمشيته وغيرها بمعنى السببية. والتعليل.
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست