(قال له السائل) لظنه أن الأمور الموهومة كلها مخلوقة متلبسة بصفات الخلق مدركة بحقايقها وحقايق صفاتها أو بصورها وحدودها وكيفياتها (فإنا لم نجد موهوما (إلا مخلوقا) وأنت أيضا معترف به حيث قلت: لا تدركه الأوهام فالموهوم الذي أثبته مخلوق فلم يثبت وجود الخالق.
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو كان ذلك) أي كل موهوم مخلوق (كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف غير موهوم) (1) خال عن صفات الخلق مبدء للموجودات منزه عن تعلق الإدراك بحقيقة ذاته وصفاته فإذا لم يكن لنا إدراك شئ على هذا الوجه سقط عنا التكليف بمعرفته.
وهذا الجواب في قوة المنع لما ادعاه السائل: ثم أشار إلى تفسير قوله: «لا تدركه الأوهام» على وجه يندفع عنه وهم الزنديق بقوله (ولكنا نقول كل موهم بالحواس) الظاهرة والباطنة (مدرك به) أي بالوهم الدال عليه الموهوم (تحده الحواس) بالذاتيات أو بالحدود والغايات (وتمثله) بصور المخلوقات وتمثله مضارع معلوم من التفعيل أو من التفعل بحذف إحدى التائين قد يجيء للتعدية (فهو مخلوق) لا خالق لتنزهه عن صفات المخلوقين وقد علم من هذا البيان أن الموهوم المدرك على جهتين الجهة الأولى هي كونه مجردا عن صفات الخلق حتى عن الصور الوهمية والعقلية وهذا هو المبدء الأول وهو الذي وقع التكليف بمعرفته والتصديق بوجوده والتذلل به بذل العبودية.
(إذ كان النفي هو الإبطال والعدم) أي نفي هذا الموهوم إبطال للمبدأ الواجب لذاته وعدم له أو نفي التكليف بمعرفته إبطال للكتب والرسل والشرايع والآداب وعدم لجميع ذلك فقوله «إذ كان» تعليل لما علم ضمنا (والجهة الثانية) وهي كونه محدودا بالحواس ممثلا بصورة وكيفية (التشبيه) أي تشبيه بالخلق.
قولنا لا تدركه الأوهام إشارة إلى بطلان إدراكه على هذا الوجه (إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب) العقلي أو الوهمي أو الخارجي (والتأليف) فيما إذا كان بين الأجزاء ملايمة يتسبب بعضها ببعض كما بين المادة والصورة وبين الجنس والفصل وبين الحال والمحل وذلك التشبيه يكون من القاصرين العادلين عن طريق الحق بقياس وهمي إذ الوهم يحكم أولا بأن